بعد مخاض عسير ومسار طويل صاحَبَه الكثير من الشك والتضليل، دخل لبنان رسميًا نادي الدول المنتجة للنفط، رغم أزمته السياسية والانقسام الداخلي والفراغ بموقع رئاسة الجمهورية وعجزه عن تشكيل حكومة، في ظل مجلس نيابي مكبل بخارطة لا تعطي قدرة لأي فريق ليكون مقررًا.
يضاف إلى كل هذا أزمة اقتصادية حادة وانهيار مالي متعمّد لم يسجل فيه للحكومة أي خطوة إصلاحية توقف التدهور الحاصل، مع انهيار النقد الوطني بعد أن فقدت الليرة اللبنانية ما يزيد عن 98 بالمئة من قيمتها السوقية، وغرق لبنان شعبًا ومؤسسات في أزمة صُنّفت الأصعب منذ أكثر من قرن، حسب مؤسسات مالية دولية، تعمل الإدارة الأميركية على استغلالها وتجييرها بمشروعها عبر صندوق النقد الدولي بفرض شروطه “المالية” السياسية الاستعمارية للإمساك بقرار لبنان والإطباق عليه من بوابة الاقتصاد بعدما عجزت الحروب العسكرية والاجتياحات عن فرض شروطها رغم تواطؤ داخلي كبير ومصالح سياسية لمجموعات حزبية شريكة بالتآمر على لبنان، ومنخرطة بالمشروع الاستعماري الذي سقط بفعل معادلة الشعب والجيش والمقاومة.
لكن هذا المشروع يحاول أن يعود إلى الساحة اللبنانية بوجه جديد بعد أن ضربت المقاومة آخر مسمار في نعشه بتوقيع مسيّراتها، وفرضت أمرًا واقعًا على الإدارة الأميركية والصهيونية من خلال إلزامها الاعتراف بالحدود الرسمية اللبنانية دون توقيع اتفاق، وبهذا أمّنت المقاومة حماية المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر وما بعدها حسب قانون البحار الدولي الصادر حديثًا ضمن معادلة استراتيجية تضمن توازن الرعب على الجهتين في مواجهة العدو الإسرائيلي وأطماعه وتكريس معادلة “قوة لبنان في مقاومته” بعد أن كان لعقود “قوة لبنان في ضعفة”، كاسرة الحصار الأميركي على صدى أصوات نشاز داخلي تذر الرماد بالعيون للتعمية على إنجاز تحقق بقوة المقاومة وحكمة قادتها.
لقد بدأت عملية الحفر رسمًيا على الرقعة رقم “٩” في منطقة واعدة اقتصاديًا بحسب المسوحات الصوتية والضوئية والدراسات الجيولوجية لحقل عبارة عن مجموعة مكامن جوفية أطلق عليها اسم “قانا” تخليدًا لشهداء قانا الأبرار، وتذكيرًا بالطبيعة العدوانية للكيان المؤقت الجاسم على أرض فلسطين ويرتكب جرائم يومية بحق أطفالها، لا يردعه إلا المقاومة التي أثبت جدواها بكل الساحات ونقلت لبنان من حالة الضعف إلى مسار القوة ليلتحق بالدول النفطية مستقلًا يملك قراره السياسي والاقتصادي متحررًا بعد أن رهنته السلطات المتعاقبة في الجمهورية الثانية، مشروع الاستسلام، وما قبلها دولة الامتيازات وريثة الانتداب، للدول الكبرى كوطن فاقد مناعته وقراره متخلٍّ عن دوره “كوطن ذي سيادة – مستقل”، بعد أن أُغرق بالديون وبسياسة المصرف والاقتصاد الريعي، يعتاش على المساعدات، مستوعباً للنازحين واللاجئبن، ينفذ تعليمات القوى الغربية ويرعى مصالحها ومصالح أدواتها من أنظمة رجعية ودائع الاستعمار، حيث تبدّد ثروات الشعوب في منتجعات الغرب وتحتجز ثراوتهم بسيف العقوبات الأميركية المصلت وسياسة العربدة التي تمارس على شعوب العالم خصوصًا شعوب العالم الثالث، وتحديدًا المنطقة العربية.
لكن هذا لن يكون في لبنان القوي بمقاومته، وليس لبنان الضعيف المتسوّل على أعتاب عواصم القرار، ليكون لبنان القرار الممانع لمشاريع البنك الدولي وشروطه في التوطين ودمج النازحين والتطبيع مع العدو، وتسليم قرار النفط للشركات الخارجية والتنازل عن السيادة لسلطة حكم أداة يحكمها الغرب بالواسطة، أو خلافة تعود للقرون الوسطى.. هذا حتمًا لن يكون في لبنان، الوطن القوي بمقاومته.