الأسد ليس عدوًا… استحوا


استوديو مزود بأحدث التقنيات المجهزة لاختراق الفكر، والكاميرات التي تحترف توثيق الفبركة الإعلامية المُراد لها أن تُذاع، وحتى الصوت معزول بشكل كامل عن الحق في أعقاب غياب الضمير، وبين أروقة هذا الاستوديو المخملي يتبادل أشباه مثقفين، ومقدمون، الحوار، والجلوس باسترخاء تحت مكيف يُسقط مع الهواء دراهم، وريالات، وهم يتحدثون عن وجع الفقراء، والحروب، والمجازر، والأنظمة التي يرونها “مستبدة” لأن الممول هكذا يريد أن يصورها حتى لو كان هو أشد استبدادًا، وهكذا ينجح بأن يكون هو وإمبراطورية إعلامه ومرتزقته أداة مخلصة بيد الإمبريالية، والصهيونية في المنطقة

للأمانة لم أفكر يومًا بالحديث عن هؤلاء، لكن أخرجني مقطع وصلني عن صمتي إزاءهم، حيث تفوح منه رائحة الخيانة والتواطؤ مع أعداء أمتنا العربية، وتحت شعار عربي، للأسف جلس أحد أولئك المقدمين يصدح بما خطته له الأقلام المرتزقة.

المقطع حمل اسم “لقاء حصري مع بشار الأسد”، وبالضرورة ما تم جمعه في ذلك المقطع للرئيس الأسد مجتزَأ من لقاءات سابقة له، لكن أراد المقدم وفريق إعداد الفبركة إظهار فكاهتهم التي تفتقر للفكاهة نفسها. وبالوقوف على بعض ما ورد في هذا المشهد السفيه أود أن أقول بدلًا أن تقدموا للعدالة الرئيس الأسد الذي صمد بوجه المؤامرة على بلاده، قدموا أنفسكم فأنتم جزء منها بأقلامكم وألسنتكم الملوثة.

أما فيما يتعلق بأن ثمن صموده آلاف الضحايا واللاجئين، لا بد من طرح سؤال هل يمكننا اليوم إجراء تحليل للطلقات والبنادق والتفجيرات والنيران التي قُتل بها سوريون، لنعلم من مصدرها، هل قتلتهم دول التحالف العربي أم الدولي، أم إرهاب “تنظيم الدولة” داعش والنصرة، وإخوانهم الإرهابيون، أم الإمبريالية والاحتلال…

للأمانة لم أستأنف حضور المقطع من شدة إثارته للاشمئزاز، خصيصًا حين تطرق للزلزال الذي أصاب سورية قبل أشهر، فهؤلاء لو كان بيدهم القول إن الزلزال سببه الأسد لقالوا ذلك، ولا أعتقد أن ثمة أمرًا مضحكًا في فاجعة ألمت بسورية التي أنهكتها الحرب الكونية التي تواجهها منذ عقود…
لذلك لم أكمل هذا المقطع كوني أعرف هذه الوسيلة الإعلامية ومؤسستها الأم، فهم ذاتهم الذين أنتجوا مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي لا يحتمل عاقل مشاهدته لأكثر من دقيقة للسخف الذي فيه، وركاكة النص والشخصيات والمشاهد، وهم ذاتهم الذين يدافعون عن الحصار الجائر على سورية، ويروجون للكيان الصهيوني، ويطالبون بمقاومة “ناعمة” في وجه آلة ترسانته الإرهابية.

وإن عدت لموضوع المؤسسة وما ينضوي تحتها من تلفزيون يحمل اسم العربي وآخر سورية، وصحف، ومواقع عديدة، فانهم يحاولون أن يخلقوا من سورية ورئيسها عدوًا لأمتنا بدلًا من العدو التاريخي لها، وهذا هو مبتغى الأعداء، فلو قمنا بدراسة علمية للمصطلحات التي يستخدمونها بحديثهم عن سورية، ورئيسها، ومقارنتها بتلك في حديثهم عن فلسطين ومحور المقاومة، ستجدهم يسعون إلى شيطنة الأسد والمحور، وهم يهرولون إلى التطبيع مع العدو الصهيوني بأحرف سامة يدسون فيها كل ما بجعبتهم من سم، ولكي لا يُفتضح أمرهم، ينشرون سمهم هنا وهناك فيجتزئون حقائق ويدحضون أخرى، ثم يزعمون حبهم لفلسطين وهم يبرئون العدو من مجازره، والأدهى الحديث عن نكبة فلسطين بأنها “عيد لاستقلال إسرائيل”، ودون ذرة خجل يتحدثون عن “احتفالاتها”، وكأنها “دولة شقيقة”، وكأن هذا التاريخ لا يتزامن مع تشريد وقتل شعب، وسلب منازله وذكرياته وصوره وحاضره ومستقبله وفرحه واغتصاب أرضه…

ولو فُتح المجال أكثر لهؤلاء ربما سيزعمون “حقائق” تقول إن الصهاينة لم يحتلوا فلسطين، وإننا نتوهم استعمارهم كما جرائمهم التي يرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني والعربي، لا وبل ينحازون إلى الاحتلال الإرهابي ضد إيران وسورية وحزب الله خصيصًا، لعدائهم للإمبريالية والاحتلال ليستغلوا أي واقعة مرتبطة بذلك ليصفوا كلماتهم المسرطنة ضدهم كخدمة مجانية للصهيونية، الصهيونية التي يدعون إلى الاحتماء بكيانها من الأسد. تخيلوا هذا السقوط الذي تجاوز مرحلة ما بعد العهر، ولا أدري ما أسميها!

أتحدث عن أولئك ومؤسستهم كوني عملت فيها للأسف لنحو عام ونيف، والحمد لله وبفضله لم أسقط في فخ الخيانة والتطبيع، ونجوت بنفسي، لذلك أدرك جيدًا ما أقوله ولا أبالغ، وأعترف أن تأييدي للرئيس الأسد تضاعف أكثر حينما رأيتُ المرتزقة، والمندسين، فتخيلوا أن هنالك من يقولون إن “الاحتلال الإسرائيلي لم يفعل بفلسطين كما فعل بشار”، وهذه الجملة السامة وحدها وما تحمله من تضليل تُعري أولئك الخونة، الذين يحتفون بالذهاب لسفارة “سورية” لا تتبع لسورية التي نعرفها إنما للمرتزقة، لا وبل في طريقهم يشتمون المقاومة وقادتها، ويمدحون أميركا والكيان الصهيوني، ولا يجرؤون على الإصغاء للحق، فمجرد رفع علم سورية الحقيقي، ووضع نشيدها الوطني “حماة الديار” يمسّهم بالجنون.

كل ما أذكره الآن ليس سوى جزء بسيط من الواقع الساقط هناك؛ فتخيلوا هؤلاء الذين يعملون على شيطنة محور المقاومة، يروجون للكيان الصهيوني على أنه “دولة ديمقراطية”، لا وبل يجملون المطبعين مع الاحتلال، والإيمان بالمقاومة لديهم تطرف، أما مجازر العدو فهي “عمليات عسكرية لجيش الدولة المزعومة” الأمر الذي يعطي شرعية بشكل أو بآخر للمغتصب، فهؤلاء يعترفون بالجيش الإرهابي للعدو، بينما لا يعترفون بالجيش العربي السوري الذي يحمي البلاد والعرض، ويقولون عنه “جيش النظام” ويتهمونه ببدعة “الكبتاغون” التي يحاولون إلصاقها بحزب الله أيضًا، ويدفعون لمن يروّج لذلك مبالغ أكثر من تلك التي كان يحلم بها حين فكر ببيع قلمه، فهو ينسج لهم قصصًا من وحي خيالهم المريض بداء العمالة.

هذا ولن أتطرق بعد إلى محاولة تعبئة الرأي العام عبر تلك الماكينات القذرة، وإقناع الجماهير بمشاركة المقاومة في لبنان، وهنا أعني حزب الله، “بقتل السوريين”! الخرافة التي تكذبها معركة القصير وغيرها حين حررها أبطال الحزب والجيش السوري من الإرهابيين والذين لولاهم لوصل الإرهاب إلى قلب بلداننا العربية، وحتى إلى الخليج الذي ألقى بمليارات وأكثر لتدمير سورية ودعم هؤلاء الذين يتقلبون ويتلونون كالأفعى مثل الآلات الإعلامية المُندسة التي لا تخدم إلا الاحتلال وأذنابه في المنطقة.

إلى ذلك فإن شيطنة سورية ومحور المقاومة ككل ليس إلا جزءًا من المهام المكلف بها الخونة، الأمر الذي لم يدركه البعض في أول الحرب على سورية قبل أكثر من عقد. وأعترف أنني كنت من بين الذين ظنوا أنها “ثورة” قبل أن يدخل السلاح والمرتزقة والعملاء إلى سورية من كل حدب وصوب، وتتكشف المؤامرة التي أذكر لليوم كيف كان يُحذر كل شريف وعروبي أصيل منها، وسأخص بالذكر المفكر القومي الجذري د. إبراهيم علوش، الذي تحمل ضحالة فكري وقصر رؤيتي حينما كنت في مقتبل العمر، آنذاك، وظننت لفترة وجيزة، أنها “ثورة” وأخذ يقنعني بالحجة والمنطق والبرهان أنها ليست كما يدّعون، وهذا حقًا ما شاهدناه على مر أكثر من عقد.

وفي الختام ومن تجربتي المتواضعة أقول لا تصدقوا تلك الماكينات الإعلامية السامة، فإنهم يكذبون ويبتدعون حقائق لا أساس لها؛ فإن أرادوا الحديث عن مجزرة لا أثر لها، هم على استعداد لتمثيلها وبثها على أنها حقيقة، وأكثر من ذلك، فنحن في زمن يتكالب فيه الاستعمار ومرتزقته وأنظمته التي وضعها لنا كأذناب له في المنطقة، على المقاومة ومحورها لشيطنتها ووأدها، فلا تدعوهم ينجحوا في كي وعيكم وجعلكم تتخذون من رئيس عربي، صمد لأكثر من عقد وصان بلاده، عدوًا لكم، ولا من إيران التي يقفون مع الاحتلال الصهيوني ضدها، عدوًّا لكم، فهي قلب المحور، ولا من حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية والمحور ككل، فهؤلاء يستحقون منّا التبجيل والاعتزاز، وهم يشرفوننا جميعًا، فهم الذين يدفعون ثمن صون طهارة أراضينا العربية دمًا عفيفًا شريفًا.

اساسياسرائيلبشار الاسدحزب اللهداعشسوريا