بات من الواضح والمعلوم أننا نعيش اليوم في بلد لا مكان فيه لمصطلح “الشراكة”، وأن الشرخ الحاصل بين أفرقاء الوطن أصبح اليوم أعمق بكثير من قبل. فيما مضى كانت الفوارق تبدو عادية قابلة للمقاربة نوعًا ما، لكن خلال السنوات الأخيرة باتت الأمور مختلفة تمامًا.
بعض أبناء هذا البلد، لا يشبهون شعبه بشيء، ولا روابط لهم بهذا الوطن سوى الكلام والخطابات التافهة. لديهم جنسياتهم الأجنبية الممنوحة تحت شرط العمالة من أسيادهم الغربين والأمريكيين، ومؤخرًا ثقافتهم المشتقة من حضيض الثقافة الغربية وقذارتها. وقد أوصلت الوقاحة بعضهم إلى حد الدفاع عنها ومهاجمة الغير بحجة “الديمقراطية والحرية الإعلامية”، الكذبة الأكثر تفاهةً في العالم.
“باربي” يثير معركة أخلاقية
على وقع تبني عدد من دور السينما اللبنانية قرار عرض فيلم “باربي” في 31 آب الحالي، توجه وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال الأستاذ محمد المرتضى بطلب إلى القوى الأمنية لمنع عرض الفيلم في البلاد، وذلك لقيامه بالترويج للمثلية الجنسية.
الوزير أشار في بيان إلى أن الفيلم “يتعارض مع القيم الأخلاقية والإيمانية… إذ يروج للشذوذ والتحول الجنسي ويسوق فكرة بشعة مؤدّاها رفض وصاية الأب وتهوين دور الأم”، وقرر كذلك توجيه كتاب للأمن العام -بصفته الجهة الأمنية المخولة الرقابة على الأعمال الفنية- لاتخاذ الإجراءات اللازمة ومنع عرض هذا الفيلم في البلد.
البيان الذي أصدره الوزير كان بالنسبة لبعض “المنفتحين ثقافيًا” صادمًا نوعًا ما، وسرعان ما شنّ النائبان مارك ضو ونديم الجميّل هجومًا مزدوجًا على الوزير، لا سيما وأن الأخير كان قد هاجم عددًا من النواب ومنهم مارك ضو، بعد أن تقدم هؤلاء باقتراح قانون “قذر” أمام المجلس، يقضي بإلغاء المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني والتي تعاقب من يرتكب جرم المثلية.
الهجوم على وزير الثقافة لم يقتصر فقط على نواب الأمة الشاذين أخلاقيًا، بل استكملت الحملة مجموعة من الفنانين والممثلين والكتاب الذين منحوا أنفسهم وسام الفراغ الثقافي والأخلاقي، وراحوا يحاضرون بالقانون وحرية التعبير والإعلام، وتناسوا أن القضية التي حملها الوزير ودافع عنها ترتبط بالقيم الدينية على اختلافها، المسيحية والإسلامية، والجدير بهم عندها العودة إلى النصوص السماوية والتمعن بها لمعرفة حدود تخلفهم الديني والأخلاقي.
وفي هذا السياق، توجهت بعض وسائل الإعلام العربية المطبعة تحديدًا، إلى اعتبار القرار الذي اتخذه الوزير “تعنيفًا ثقافيًا”، وقد استشهدت بمجموعة آراء لمختصين تابعين ثقافيًا وانتمائيًّا وبطريقة غير مباشرة لجماعات الشذوذ، مقارنة قرار لبنان بقرارات الدول العربية الأخرى، ومن ضمنها السعودية والإمارات ومصر.
وزير الثقافة بالمرصاد وللردود أبعادها
لم يكتف وزير الثقافة بالبيان الموجه للقوى الأمنية اللبنانية لمنع عرض الفيلم، إذ وبعد هجوم نواب الحضيض الأخلاقي عليه، كان له رد آخر رادع، وقال المكتب الإعلامي لوزير الثقافة، في بيان: “وقانا الله شرّ هذا الزمان الذي أصبح لنا فيه نوائب شذوذ كمثل جنابك أفرزها قانون انتخاب شاذ، والعجب أن يتسنّى لمثلك أن يجلس مجلسًا شغله كمال جنبلاط”، مضيفًا: “دع غيظك يقتلك يا نائب الغفلة ومُشرِّع الشذوذ وثمرة القانون الشاذ، فلن نبالي بك ولن نردّ على تفاهاتك”.
الوزير المرتضى استكمل كلامه بالرد على النائب ضو الذي حاول الاستناد إلى القوانين والدستور لتبرير موقفه، قائلًا: “عند وجود نصّين عام وخاص، فإن النص الخاص هو الذي يتقدم في التطبيق، وعند تعارض نص دستوري مع نص معاهدة أو ميثاق فإن الأول هو الذي يسمو على الثاني، وأنه عند تنازع القواعد القانونية بين أولى داخلية وأخرى دولية فإن حل التنازع يكون باستبعاد القاعدة المخالفة لقواعد النظام العام الداخلي المبني على جملة مبادئ وأُسس منها القيم الأخلاقية والآداب العامة”.
هذه الردود وغيرها من أشكال الممانعة لظاهرة الشذوذ والمثلية، تشكل سلسلة صدّ متينة في وجه كل من يحاول الترويج لها وسط الرأي العام اللبناني، وهي تبقى جزءًا من معركة كبرى تسمى التطبيع الثقافي، والتي لا زالت أميركا والغرب وأدواتهما في الداخل يسعون إلى تكريس معالمها في المجتمع اللبناني بكل الوسائل الممكنة.
يحاول إذًا بعض نواب الأمة الشاذين أخلاقيًا، الاستثمار بكل القضايا والظواهر للوقوف في وجه المقاومة وبيئتها، وهذا الأمر لم يعد ضمن لائحة الأبعاد الإستراتيجية للأحداث المتوجب اكتشافها، بل بات اليوم واضحًا صريحًا، حتى أنه وصل بهم إلى مرحلة متقدمة من انعدام المبادئ الأخلاقية والدينية والإنسانية.