تاريخٌ قديم في الفتنة والغدر والخيانة

يبدو أن اليمين الانعزالي في لبنان يُصر على ركوب ظهر المحن والفتن وتراه كراكب الصَّعبة حيث لا يترك فرصة سانحة إلَّا واستغلُّها أشد استغلال ويوغلُ كلَّ الإيغال في دماء الأبرياء وأمن وحياة الناس. تاريخٌ قديم في الفتنة والغدر والخيانة، ينصب كمائنه دائمًا على “الكوع” لا فرق لديه المحصِّلة والنتائج والأثمان ولو كانت من أمن اللبنانيين وسلامتهم وسلمهم الأهلي.

في الذاكرة تاريخٌ مشؤوم لــ “كوع الكحالة” بما جرى عليه وتسبُّبه للعديد من الكوارث والآلام منها ما هو مفتعل ومنها ما وقع قضاءً وقدرًا. حوادث كثيرة حصلت وشاحنات انقلبت وباصات نقل طحنت ركابها، وأكثرها شؤمًا في تلك الذاكرة “قتل الناس على الهوية”.

هناك على ذاك “الكوع” خلال سنوات الحرب الأهلية المشؤومة سالت دماء الفقراء الأبرياء العابرين لا لذنبٍ اقترفوه سوى أنهم من ذاك الآخر في الوطن “الذي لا يشبهنا” وكأن دمه لونه ليس أحمر لذا فليقتلوا دون رأفةٍ ورحمة أو رفَّة جفنٍ.

وفي دعسةٍ ناقصة بغيضة ونافرة طالعنا أحدهم بتصريح ممجوج مستلحقًا نفسه به في جوقة التصريحات الشعبوية خلف من سبقوه ممن انتفخت أوداجهم وخرجوا عن عقالهم وطاش عقلهُم وعيارهم، فأدلى بدلوه في بئر دماء الفتنة منظِّرًا حول رمزية هذا الكوع ومتعاليًا ومسخِّفًا لذاكرة اللبنانيين حول بشاعة ذكرى هذا المكان!

نعم أيُّها الحديثُ النِّعمة في “النِّضال” لهذا الكوع رمزيته المشؤومة منذ سبعينيات القرن الماضي، عنده تمَّ قتل أهلنا ومن مختلف الطوائف واختطفوا وغيِّبوا في أقبية التعذيب ولم يعرف مصير الكثيرين منهم حتى الآن، ورميت جثث بعضهم على الطرقات أو دفنوا في حفرٍ منسية وتركوا خلفهم عائلات ثكلى وأمهاتٍ مفجوعة.

ولائحة شؤم هذا “الكوع” تطول وتطول حتى تصل إلى أعماق وجداننا وآلامنا. ولأنَّ قلب الأحمق وراء لسانه أتحفنا فارسُ السفاهة بتفاهته المعهودة فتوسّل الاجتياح الإسرائيلي واستنهاض آرييل شارون من قبره.

في هذه الأيام المنصرمة شهدنا ما لم نشهده في أشدِّ أيام الحرب الأهلية اللبنانية قساوةً، رأينا وسمعنا تجييشًا طائفيًّا فتنويًا وحقدًا لا نظير له ولؤمًا مغلَّفًا بكذبٍ وخداعٍ وتحريفٍ للوقائع والحقائق وأثيرًا مفتوحًا للشتم والتهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور بتغطيةٍ من إعلامٍ مضلِّل، حيث لم تبقَ وسيلة إعلامية مرتهنة وممولة من السفارات ودول الرجعية العربية إلا وكانت في مكان الحدث تحلِّل وتفنِّد وتستخلص المعطيات وتستثمر وتوظّف بأسلوبٍ رخيص ودونيَّة وفقًا لمستوى منسوب عمالتها وارتهانها، وأولًا وقبل كلِّ شيء حقدها الأعمى على المقاومة وسلاحها وأهلها. إعلامٌ فتنويٌّ خليجيٌّ اتَّبعه محلّيٌّ مُلحَقٌ هزيلٌ ومرتهن يحرِّض الموتورين الفوضويين، يتفنن في كتابة مانشيتات أخباره على الصفحات الأولى من جرائده العفنة أو شرائط الأخبار على شاشاته الحاقدة، ومارس أولئك المفتنون ما يتقنونه من خطابٍ تحريضي وإثارة للنعرات الطائفية والمناطقية وممارسة الرقص الجنائزي على الطرقات في استغلالٍ رخيص للمواقف غير المسؤولة والمتفلِّتة من عقالها.

لم يكن خفيًّا الدور الإسرائيلي ولبعض أوكار السفارات ودخوله على خط تأجيج الفتنة بعد سويعاتٍ قليلة بمحاولات شتّى وحثيثة لمعرفة مكونات حمولة الشاحنة ودفع بعض الموتورين في المنطقة للهجوم عليها والتعرض للأفراد المولجين بحمايتها والذي كان واضحًا وجليًا بعد انتشار خبر أن الشاحنة المنقلبة تابعة للمقاومة، وأردفها بعض “جنرالات” العدو المنهزمين في الميدان بسلسلة بيانات وتصريحات مستحسنين فيها التعرّض للمقاومة وموزعين شهادات البطولة للمعتدين يمنة ويسرة وممسكين بحاشية “الدبيكة” من الطائفيين والعنصريين الانعزاليين أصحاب التاريخ العفن في قتل الأبرياء والرقص على الدماء، قوى عفا عليها الزمن منفوخة مثل طبلٍ أجوف مارسوا “السحج” في أداء تصاعدي وتصعيدي ممنهج وموجّه ملؤه الزعيق والنعيق في استثمارٍ لتلك الدماء بما يشعرك بالرغبة في التقيّؤ ولكن بقي “دبيكهم” إثارةً للغبار ومراوحةً في المكان.

ونحن اليوم إذ نُحيي الذكرى السابعة عشرة للانتصار التاريخي على العدو الإسرائيلي في تموز وآب 2006، تعيش المقاومة ومجاهدوها مشاعر فيَّاضة من العزة والكرامة وتراكمًا للقوة والاقتدار كمًّا ونوعًا، وقلوبٌ ملأى بالصَّبر وعقولٌ طافحةٌ بالبصيرة وفي سعيٍ دؤوبٍ واستعدادٍ يومي للمنازلة الكُبرى في مجابهة العدو وصدّ عدوانه وردِّ كيده إلى نحره، تأتي تلك الحادثة الجبانة المفتعلة لتلقي بظلالها السوداء القاتمة في محاولة تنغيص الفرحة على أهلِ المقاومة وجمهورها حسب اعتقاد مفتعليها الذين أثبتوا دائمًا أنهم مجرَّد أدوات رخيصة في مشاريع الفتنة والغدر والخيانة بأيدي مشغِّليهم أعداء لبنان واللبنانيين.

في هذه المعمعة افتقدنا كثيرًا فحيح وسموم الناطق باسم جيش العدو الصهيوني أفيخاي أدرعي، لقد فاتتك الجولة يا رجُل.

اساسيالكحالة