يبدو أن حادثة حرق القرآن الكريم وتدنيسه في بعض الدول الأوروبية لن تكون الأخيرة، إذ نظرًا لما يعكسه المشهد الحالي من استهتار ومماطلة وتغطية علنية من قبل حكوماتها لمثل هذه التعديات، يعزز حقيقة قبولها بهذا الواقع، لا بل تآمرها في الوصول إلى ما هو عليه.
الحقيقة الأكثر ألمًا وغصةً وفظاعة، هي أن تكون بعض الدول الإسلامية العربية -والتي من المفترض أن تشكل سلسلة الردع الأكثر صلابة وتشددًا في وجه حملات التعدي على كتاب الله-، جزءًا من هذه المؤامرة القذرة، ليس لمشاركتها في هذه الأفعال القبيحة، بل لتخاذلها في الدفاع عن قدسية قرآنها وحرمته.
اجتماعات ولقاءات مكثفة والرّد.. إدانة!
فعلت السويد فعلتها، أعطت الإذن والغطاء القانوني والأمني للمجرم الذي أقدم على حرق نسخة من القرآن الكريم على مرأى العالم بأجمعه. قام العالم ولم يقعد، استنكرت الدول الإسلامية والعربية الفعل الشنيع ودعت إلى اجتماعات ولقاءات عاجلة، وسرعان ما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية والسياسية للسويد.
أيام قليلة وهدأت العاصفة، خرجت الدول المجتمعة بحفنة من البيانات المنددة والمستنكرة، طالبت على إثرها السويد باحترام حرمة المقدسات والحريات الدينية ومعاقبة المجرم، وانطلق العديد من المظاهرات في دول عدة تنديدًا بما حدث ونصرة للقرآن الكريم.
لم يتبع هذه الإدانات أي خطوات أخرى، بقيت حبرًا على ورق وكلمات تردد خلف شاشات الإعلام فقط، لتعود بعض الحكومات الأوروبية وتسمح بتكرار ما حدث دون أي مبالاة لما قد ينتج عن ذلك من تداعيات، فتجتمع الدول الإسلامية مجددًا وتخرج أيضًا بإدانات مماثلة حفظًا لماء وجهها أمام شعوبها.
هذا التخاذل الذي سجلته حكومات بعض الدول الإسلامية في تعاطيها مع الحدث الإجرامي ككل، يعكس سياسات الذل التي تنتهجها هذه الحكومات وخضوعها هي وحكامها لسياسات الغرب المعادية للإسلام، لأنه لو كان عند حكومة السويد أدنى شك بأنها ستواجه أي إجراءات اقتصادية خصوصًا في مجال الطاقة، أو تجارية، أو سياسية، لما تجرأت على التصرف بوقاحة ووضاعة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا نخفي ثناء حكام الدول المعتدية على المصحف الشريف على أداء العديد من الحكام العرب، ووصفهم بالـ “أصدقاء” الذين تربطهم ببعض علاقات” ودية معتدلة”، وفقًا لتصريح سابق لوزير الخارجية الدانمركي “بير ستي موللر” ، الذي أدلى به لصحيفة «الشرق الأوسط» في 23 شباط 2008، حيث أكد حينها “تواطؤَ حكامِ المسلمين ومفتيهم في قضية الإساءة إلى رسول الله والقرآن الكريم، ” وهذه الشهادة كافية لتثبت تخاذل الحكام العرب في نصرة الإسلام والمسلمين ووقوفهم إلى جانب الغرب ضد أمتهم، حفاظًا على مصالحهم العليا وخوفًا من فقدانها في حال وقوفهم بوجه السياسيات الغربية الوقحة.
بعد تخاذل الحكومات.. هل ينهض الشباب العربي والإسلامي؟
لا شك أن الدفاع عن حرمة القرآن الكريم يمثل جزءًا من معركة ثقافية شرسة لم يسبق للإسلام أن شهد مثيلًا لها، وفي ظل تقاعس معظم الحكام العرب والمسلمين عن خوض ذمام هذه المعركة والتخلي عن مسؤولياتهم في الدفاع عن مقدسات الأمة، يجد الشباب الإسلامي نفسه مسؤولًا لتولي هذه المهمة الشرعية والدينية.
دور الشباب الإسلامي لا يقتصر فقط على حملات التفاعل والإدانة الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل لا بد من أن يكون في قسم منه موجهًا إلى حكومات الدول العربية والإسلامية، ليحرّك ضمائر حكامها ويثبت إرادة شعوبها في الالتزام بالدفاع عن دين الله وحرماته، ويدفع هذه الحكومات لممارسة كل أشكال المقاطعة السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية مع الدول المعتدية.
الأمر ينطبق أيضًا على الشباب الإسلامي في باقي بلدان العالم، لا سيما الجاليات المسلمة في الدول الأوروبية المعتدية، ودورهم في تعزيز صورة الإسلام في هذه المجتمعات، وتوضيح حقيقة الدين الإسلامي ورسالته السامية بعيدًا عن سياسات التشويه والعدائية المتمثلة بالإسلاموفوبيا.
هذه الإجراءات تنسحب أيضًا لتطال الجهود التي يمكن أن تبذل على صعيد القانون العالمي وجمعيات حقوق الإنسان، بما في ذلك العمل على وضع قوانين دولية جديدة صارمة غير قابلة للتلاعب والتغيير من قبل القوى الكبرى في العالم، تصون وتضمن الحريات الدينية وتمنع أي تعدٍّ عليها تحت طائلة المساءلة والمحاسبة دون أي حماية من أحد.
يعيش العالم الإسلامي اليوم إذًا في ظل حرب ثقافية طاحنة، تعددت أطرافها وتوحّدت أهدافها، انطلاقًا من محاربة الغرب – المنحط أخلاقيًا وإنسانيًا – للقيم والمبادئ الدينية، مدعومًا ومباركًا من قبل أكثرية الحكام العرب والمسلمين “العبيد” لدى هذه الحكومات والإدارات المجرمة، مما يفرض قواعد جديدة لمثل هذه المعركة، وجب على كل مسلم في هذا العالم أن يكون على أتم الجهوزية لخوضها دفاعًا عن دينه وكتابه ووجوده.