يعيش العالم اليوم حربًا ثقافية طاحنة، يعوّل عليها أطراف المعارك الفكرية والثقافية أكثر من أي وقت مضى، حربًا تسعى لتغيير وجه التاريخ الديني والثقافي والفكري على أوسع نطاقٍ ممكن.
أقطاب هذه الحرب اثنان لا ثالث لهما، واحدٌ يريد جرّ المجتمعات إلى قاع الجهل والحقارة والفسق تحت مسمى الحضارة والانفتاح، وآخر يحاول التمسك بالقيم والمبادئ الدينية والإنسانية والأخلاقية والدفاع عنها في وجه عواصف التمرد والإلحاد.
يلوّح الغرب -وأتباعه- بصفته قبطان” التغيير والانفتاح ” بثقافات جديدة، تنسف معها كل معايير الأخلاق والمنطق، ينخر المجتمعات بمعالمها وينشر أدواتها حيث استطاع لذلك سبيلًا. وتأتي ظاهرة الشذوذ الجنسي لتتربع على عرش تلك الثقافة، وتخلق حالةً من “القمامة الاجتماعية” التي يريد الغرب وأميركا إغراق مجتمعاتنا بها.
الغرب وأميركا مهدُ الشذوذ وسبيل انتشاره
مهّد الغرب ومعه الولايات المتحدة الأميركية، طيلة المحطات التاريخية السابقة، لظاهرة المثلية، وسربوا مفاهيمها إلى الرأي العام الأوروبي والأميركي بشكل متسلسل ومدروس، حتى انتقلت هذه المفاهيم والممارسات من مرحلة العقاب المحتّم في حال ممارستها، إلى مرحلة الترحيب بها والحث على تطبيقها كشكل من أشكال الحرية الفردية الأوروبية والأميركية.
وبالحديث عن تاريخ هذه الظاهرة، يعود ظهور مصطلح (المثلية الجنسية) وجماعاتها إلى أواخر القرن التاسع عشر بحسب ما أورده عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه (تاريخ المثلية)، وذكر فيه أن أول تعرف للعالم على مصطلح (مثلي الجنس) كان في زمن الملكة فكتوريا حيث قام القضاء حينها بتجريم الظاهرة قانونيًا في ظل عدم تسامح الملكة معها.
يخبرنا التاريخ البشري أيضًا بنماذج أكثر إرباكًا وشذوذًا من ذلك، كالثقافة اليونانية القديمة حيث انتشر ما يسمى بـ (المثلية العرفية). أما النموذج الأقدم والأكثر قبحًا وبشاعة هو نموذج (المثلية الشعائرية) في الجزر السوداء.
هذه النظرة التاريخية المختصرة تشير إلى أن ما نشهده اليوم في الغرب هو امتداد لهذه الثقافات القديمة القبيحة، وهي وإن كانت منتشرة تاريخيًا في بعض دوله، إلا أنها تبقى جزءًا من ثقافتهم، وتوضح أيضًا أن هذا الغرب يعاني من ازدواجية القيم والمبادئ، وصولًا إلى مرحلة متقدمة من تدهورها وانحلالها.
وفي هذا السياق، فإن انطلاق شرارة المثلية حديثًا كان أيضًا على يد الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2015، ضمن عملية السعي إلى تسييس هذه الظاهرة الدنيئة، وصولًا إلى قيام الرئيس الأميركي جو بايدن بتوقيع قانون يحمي “زواج المثليين في أميركا” وذلك في كانون الأول من عام 2022، واتخاذ الإدارة الأميركية قرارًا قبيحًا، يدعو لنشر ظاهرة الشذوذ في العالم أجمع.
الأديان تتصدى.. والمواجهة واجبة
لا شك أن كل ما يتم تداوله اليوم ونشره عالميًا ترويجًا لظاهرة الشذوذ القبيحة، بالإضافة إلى الضغط الممارس على الدول والحكومات للاعتراف بها وحث الرأي العام على تبنّيها، تقف خلف هذا كله منظمات مدعومة من قبل حكومات لها توجهات فكرية قذرة إلى حد بعيد ومخالفة لطبيعة البشر، تحاول من خلالها الترويج لما يسمى بالحقوق المدنية للمثليين.
وفيما يتعلق بنظرة الأديان وموقفها من الأمر، فمن المؤكد تمامًا أن جميع الأديان السماوية تواجه المثلية الجنسية بالرفض التام وتجرمها وتعاقب عليها وأهمها الإسلام والمسيحية وهما أكثر الديانات انتشارًا في العالم ، إضافة إلى الديانة الإبراهيمية الثالثة وهي اليهودية. وقد وردت النصوص في ذلك من القرآن في قصة لوط ، والكتاب المقدس في عهده الجديد ، وكذلك التوراة في سفر اللاويين.
في هذا الإطار، يرى الكثير من معتنقي الديانات السماوية الثلاث، أن الاستمرار في نشر وتعزيز مفهوم المثلية لدى الحكومات والشعوب الأوروبية والأميركية سيؤدي لا محال إلى انهيار حضارات هذه الدول في نهاية المطاف، إذا استمرت سياسة الشيطنة الأوروبية والأميركية في نشر وتسويق هذه المفهوم بصفته “حرية شخصية” ويجب على المجتمعات والأفراد تقبّله والتعايش معه.
إن صد الأديان والتمسك بمواقفها الرافضة للعنة الشذوذ، تحتاج جهودًا كبيرة جدًا لناحية تعميمها والاستناد إليها كحاجز صد، يمنع تسرب هذه المفاهيم القذرة إلى مجتمعاتنا، لا سيما وأن الوسائل الإعلامية الأوروبية والأمريكية المملوكة من قبل حكومات هذه الدول، تروّج لظاهرة الشذوذ بطريقة مخيفة، فضلًا عن سعي هذه الحكومات لتكريس مفاهيم المثلية وكل ما هو مرتبط بها في مناهج التعليم والدراسة.
هذه الموجة الشرسة تفرض على كل فرد منا العمل انطلاقًا من ذاته وإمكاناته وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض ومحاربة هذه الظاهرة بقوة وحزم، وعدم السماح بنشرها أو التعتيم على قذارتها، فضلًا عن التنبه والوعي لما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي المدارس والصروح التعليمية التي يتبنى عدد منها الثقافة الأوروبية والأميركية ويتباهى بها، بالإضافة إلى تعزيز الثقافة الدينية للأبناء على نحو مستمر بهدف إرشادهم وتوعيتهم حول مخاطر هذا الوباء الاجتماعي.