لكلّ فعلٍ أدب، هكذا علّمنا القرآن، كي نحيا أرقى معاني الحياة الإنسانيّة، حتّى في ساحات النّزال ومجابهة العدوّ، تجده خير مرشدٍ وأفضل دليل في إدارة ساحة المعركة بما يحقّق مصلحة البشر بأجمعهم.
لمن قرأه أو لم يقرأه الفرصة لا تزال متاحة، واستكشاف هذه المعجزة الخالدة في متناول كلّ من سمع باسم القرآن ولو لم يكن عربيًا أو متعلمًا لغة العرب، فالحداثة والتكنولوجيا اليوم كفيلة بترجمة اللّغة وإن بأبسط المعاني المراد إدراكها.
القرآن ليس فقط كتاب المسلمين، وإن جحد وضلّ عنه غيرهم، هو دستور حياة الإنسان بكلّ إنسانيّته. ولقد مُنحنا فرصة للتعريف به ولو بالحدّ الأدنى، من خلال هذا الفعل العدائيّ ضدّه، رغم ما يغُمّنا من الأسى والغضب حيال كلّ تدنيس أو إهانة أو إساءة، علمًا أنّ المسيء هو في معرض الإساءة لنفسه وإظهار مدى سخافة ما يحمل من أفكارٍ رديئة لا تمتّ للأديان والتعاليم السّماويّة بأيّة صلة.
طبعًا هذا لا يُعفينا من واجب الدّفاع عنه واستنكار وشجب كلّ محاولات الإساءة، إن كنّا مسلمين أو غير مسلمين، لأن صاحب العقل والفكر السّليم لا يقبل أبدًا بالتّعدّي على رموز الخير والصّلاح لأيّ فئة كانت، ويعتبر أنّ سموم هذه الأفعال المنبوذة ستقتل كلّ البشريّة لتحقيق مصالح ومآرب الشّياطين المتربّصة بالإنسان بهدف الانتقام.
المسلمون يؤمنون بأنّه كلام الخالق وفيه خلاص الإنسان في ساحات اختبار صبره وعزيمته، والتّعاليم الّتي تكون مرسلةً من عند خالقٍ حكيم ٍ لا بدّ من أن تكون في غاية الإحكام والقوّة والبلاغة، فلِمَ يُحارَب وتعرّضه فئة باغية للإهانة؟!
على مرّ العصور كانت تُنتَهُك حرمة الأولياء ويجابهون بأعتى الطّواغيت الّذين يحكمون الضّعفاء إمّا بأموالهم أو سلطتهم ونفوذهم، ولسنا بعيدين عن مثل تلك الأيّام الّتي وقف فيها سيّدٌ حرٌّ شريف، وقدّم نفسه وكلّ ما يملك في سبيل إعزاز كلمة الحقّ وإسقاط الباطل والغطرسة اليزيديّة المضلّة، وبذلك علّم الأمم اللّاحقة كيف تنتصر لإنسانيّتها وأقدس كرامةٍ تنتمي إليها.
إن كانت السّفاهة تمدّ جذورها مستعينةً بكلّ متاح، من الإعلام إلى استغلال نقاط الضّعف والإغراءات المادّيّة المغرضة وغيرها من الوسائل الخبيثة، فلا يظننن أحد أنّ صراط الحقّ والحقيقة ضعيف في وجه هذه الهجمات، لكن لا بدّ من المناصرين الأقوياء الّذين يرعبون العدوّ بفراستهم وبطولتهم وإصرارهم، فإنّ الكتاب المقدّس محفوظٌ من عند مرسِله وهو يحمي ويصون كلّ من يصونه من أن يغرق في وحول الشّيطنة المُهلكة، ويمنحه القوّة والثّبات في وجه الفتن المتلوّنة ليخرج منتصرًا في نهاية المطاف.
يجب أن يفهم العدوّ وكلّ مُتآمر أنّ الهدف الّذي يطمعون في تحقيقه عاجلًا أو آجلًا هو حتمًا في سقوط واضمحلال، وهذه المفرقعات الّتي يطلقونها بين الحين والآخر لتشتيت الأذهان وذرّ الغبار في العيون لا تنطلي بهارجها على اليقظين الواعين، حمَلَة وحفظَة القرآن والجيل الّذي ينمو الآن على حبّ وتعاليم هذا الكتاب المقدّس، وهو يواجِه، مدعومًا من الأسرة السّليمة والمجتمع المتمسّك بمبادئ الحريّة الإنسانيّة الحضاريّة، أمواج المفاسد العاتية الّتي استغلّت فطرة الإنسان وميوله الطبيعيّة لتحرِفها في مسارات التضليل والارتهان للنّفس والشّهوات.
سياسة الإفساد في الأرض لا تعود إلّا بالسوء على منتهجيها، وإن كان الغرق حتميًّا في طوفان التّفلّت وعدم مراعاة الحدود الحافظة وحدود السّلامة، فسيكون للمتمسّكين بشراع المبادئ والأصول الفاضلة، نصيبهم من النّجاة وريادة البشريّة وسيادة الحقيقة المنجية، هكذا أثبت التّاريخ وسيثبت في المستقبل الموعود.