أثار اجتماع الناتو في فيلنيوس مسألة ما إذا كانت دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) تستعد لحرب مباشرة مع روسيا.
حتى قبل بدء قمة الحلف التي عقدت في فيلنيوس، تبنى العديد من دول الحلف وثائق جديدة حول الأمن القومي، حيث كان يُطلق على روسيا “التهديد الرئيسي” للحلف، وتعهدت هذه الدول بزيادة الإنفاق العسكري.
وهكذا، ولأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، وافق الناتو على خطط لشن هجوم محتمل على روسيا. وطرح الكثير من الأسئلة من بينها “من يجب أن يكون أول دولة من دول الكتلة؟”.
وتشير بعض المصادر العسكرية إلى أنه بالقرب من الحدود الروسية سيتم نشر مجموعة دائمة للرد السريع قوامها 300 ألف شخص. من بين أمور أخرى، سيعمل التحالف على حجز كبير للمشتريات العسكرية المركزية من المجمعات العسكرية. وبناء عليه، سيتم رفع الإنفاق الدفاعي لجميع البلدان (ليس هناك شك في هذا الأمر الآن) إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
أليس هذا احد مؤشرات التحضير للحرب مع روسيا؟
يشير المحلل السياسي والمرشح في العلوم التاريخية فاديم تروخاتشوف في مقال لصحيفة “فزغلاد” الروسية إلى “أنه في ظل المعلومات المتوافرة حول هذه التحضيرات تنشأ أسئلة أخرى. تتطلب الحرب الحقيقية مع روسيا أكثر من مجموعة من 300 ألف شخص. عدد النعوش التي سيتم استلامها في دول الناتو سيكون أيضًا بمئات الآلاف”. ويضيف: “من اجل القيام بذلك، بالتأكيد سيكون من الضروري ليس فقط زيادة الإنتاج العسكري، ولكن أيضًا إعادة عناصر الجيوش التي تم التخلي عنها في معظم دول الحلف إلى الخدمة أي ستكون هناك عمليات تعبئة عسكرية ضخمة”.
ويتابع تروخاتشوف ان “دعوة المجندين الى الخدمة ليس الحل الأكثر شعبية، اذ سيتعين تأمين الاطعمة والعتاد لهذه الأعداد من الجنود ناهيك عن التأثير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لتلك البلدان”.
ومن هنا إذا لم يكن لدى الشعب في الولايات المتحدة إلى حد كبير الفرصة للتأثير على القرارات المتخذة (هناك حزبان فقط)، فإن القيادات السياسية في الدول الأوروبية لن تكون قادرة على اتخاذ قرار بشأن اندلاع الحرب دون موافقة غالبية الأوروبيين العاديين لأسباب كبيرة وكثيرة، وهنا المأزق الاوروبي الأكبر.
في الوقت الحالي، لا توجد ظروف تجعل الدول الغربية تشارك بشكل مباشر في الحرب، إلا إذا هاجمت موسكو مباشرة أراضي الحلفاء التي تغطيها المادة 5 من معاهدة واشنطن، وإن كان استخدام الأسلحة الكيميائية قد يؤدي إلى ذلك أيضا، لما يمثله من تجاوز للخط الأحمر الأخلاقي والقانوني الذي قد يجعل الدول الغربية تشعر بأنها مضطرة للمشاركة بشكل أكبر.
نشرت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية مقالا للباحث برونو تيرتريه، نائب مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية، يتخيل فيه السيناريوهات التي قد تدفع الغربيين إلى تعزيز مشاركتهم في الحرب، مثل مهاجمة أراضيهم أو استخدام الأسلحة الكيميائية أو اختراق الجيش الروسي نحو أوديسا وتحقيق “الربط الإقليمي” بين أراضيه وترانسنيستريا بمولدوفا، مما يجعل هذه الأخيرة أو رومانيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) تشعر بالتهديد.
ويمكن تخيل سيناريوهات أخرى كما يقول الباحث مثل إطلاق أوكرانيا عملية استعادة خاطفة لأراضيها في غضون بضعة أشهر. ويستدرك الكاتب أنه من حقنا أن نتساءل منذ الآن عن دلالة تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الذي قال فيه يوم 15 أيار الماضي إن أوكرانيا “يمكنها الانتصار في الحرب”، لأن مفهوم “كسب الحرب” قد يكون له معنى مختلف لدى كييف وواشنطن وبروكسل، إذ تؤيد الدول الغربية دائمًا مبدأ وحدة أراضي أوكرانيا.
من جهتها، قالت النائبة الألمانية من حزب اليسار سيفيم داغديلين، إن حلف الناتو يشن حربا بالوكالة ضد روسيا، من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية ونشر مدربيه العسكريين على أراضيها.
وأوضحت داغديلين في حديث لوكالة “شينخوا” الصينية، أن “حلف الناتو يسعى لهزيمة دولة نووية كروسيا من خلال استغلال أوكرانيا وتوظيف قوته العسكرية في شن حرب بالوكالة ضدها، بما في ذلك الحرب الاقتصادية غير المعهودة ضد موسكو التي زادت حدتها منذ بدء العملية العسكرية الخاصة”.
وأضافت أنه “بالرغم من أن الدول الغربية تروج لحلف الناتو على أنه تحالف دفاعي، إلا أن هذا غير صحيح، فالحلف منخرط في سباق تسلح عدواني، كما يضع العقبات أمام إيجاد حلول سلمية للازمة الأوكرانية”.
وتابعت: “إذا افترضنا أن الصراع في أوكرانيا هو لعبة شطرنج، ففي هذه الحالة نستنتج أن حلف الناتو يبحث عن بيادق يمكن التضحية بها لتحقيق مكاسبه الخاصة”.
بالنسبة للسؤال المباشر حول الاستعداد للقتال مباشرة مع روسيا، فنادرًا ما يُطرح على الإطلاق. ولكن حتى في الولايات المتحدة، فإن عدد أولئك الذين يريدون قتال روسيا مباشرة يتراوح بين تسعة و15 في المائة. في أوروبا عدد أقل من ذلك. معارضو انضمام أوكرانيا إلى الناتو يتفوقون على مؤيدي مثل هذه الخطوة حتى في بولندا التي تعاني من رهاب روسيا تمامًا لا يؤيد الحرب اكثر من 40 بالمئة بحسب استطلاعات الرأي، أي أن سكان دول الناتو والاتحاد الأوروبي لن يقاتلوا بشكل مباشر ضد روسيا.