لكلّ منّا حكاية حول كيفية تلقّيه هذه الكلمات، ولكلّ منّا انفعالاته حيالها. هذه المفاجأة التي كانت أولى مفاجآت تمّوز والتي بشّر بها السيّد نصر الله، شكلت أولى الضربات التي قصمت ظهر التفوّق العسكري الصهيوني، وجعلت فخر بوارجه ساعر، كعربات ربّه، كمروحياته، أشلاء آليات مهزومة.
في مثل هذا اليوم، كان أهل المقاومة، نازحين وصامدين، يصغون بكلّ ما في أرواحهم من يقين بنصر الله إلى كلمات سيّد المقاومة. تأهّبت القلوب لثانية حين بدأ بجملته الموفّقة الحاملة لكلّ معاني التسديد الإلهي: “البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتيّة، وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين، انظروا اليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين…”.
دوى مع صوت احتراق البارجة صوت القلوب وصرخات الحناجر واندفاعات الدمع ناحية السماء. بلحظة، نسي الجميع الخطر المحدق بهم في الطرقات، تجمّعوا، تبادلوا التهاني بكلمات يغلبها البكاء، ويرافقها الدعاء للمقاومة التي أعزّت كلّ الأمّة بإغراق رمز عنجهية الصهيوني.
احترقت البارجة، وتلتها بارجة أخرى قبالة شاطىء صور في الأيام التالية، وتلتها أيضًا أرتال الميركاڤا، والتحقت بها مروحيات متطورة. كلّ هذا على مرأى العالم كلّه، الذي وقف مذهولًا ينظر غير مصدّق كيف استطاع حزب الله تمريغ أنف العالم المستكبر كلّه تحت أقدام رجاله.
اليوم الثالث من حرب تموز، هو يوم البارجة، وهو اليوم الذي يرفع منسوب العزّة في القلوب إلى أقصاه، ويحيل الذاكرة سيلًا من فرح وفخر لا شيء يضاهيه.
في المقلب الآخر لبنانيًّا، يشكّل هذا اليوم صفعة أولى على وجه من توهّموا أنْ في تموز ستُسحق المقاومة. كان بالنسبة لهم مؤشّرًا عاليًا على نتيجة الحرب إلّا أنّ المكابرة في الوهم جعلتهم يبدأون بتوسّل الصهاينة ألّا يكفّوا ولا يتراجعوا، فما نالوا إلّا ما نال أسيادهم، شرّ الهزيمة.