حرب تموز 2006 | اليوم الثاني: هنا الدوير

المجزرة. وقع الكلمة على القلب موجعٌ، ولو مرّت عليه ألف مرّة. ذاكرة الجنوب حافلة بما مرّ عليها من مجازر منذ دخول أولى عصابات الصهيونية إلى فلسطين. في الثالث عشر من تموز ٢٠٠٦، دخلت بلدة الدوير سجلّ القرى التي صحت في الفجر على مجزرة هي الأولى في حرب الثلاثة والثلاثين يومًا: إمامُ البلدة السيّد عادل عكاش وزوجته وأولادهما العشرة شهداء. البيتُ ركام، والدوير كلّها تلملم أشلاء الأحبّة وتنظر ناحية السماء راجية أن يسدّد الله رمي المقاومين وينصرهم.

دفنت الدوير الأسرة الشهيدة في قبر جماعي. المشهد مروّع، يدمي الرّوح. لكن في اليقين بالنصر شفاء، وفي الإدراك التام لوحشية العدوّ ما يرفع عتبة الألم، ولو قليلًا. كلّ قرى الجنوب عاشت الشعور نفسه، تعرفه، وتعرف أنّ هذا التألّم يستحيل رصاصًا في ذخيرة القتال، وتعرف أنّ التضحية شرف وأنّ القتال مريرٌ ومكلف لكنّه ضرورة لا تراجع فيها مهما بلغ عمق الجرح.

لملمت الدوير جرحها على عجل، فالطائرات لم تزل في السماء تتربّص بكلّ حيّ على الأرض، والغارات التي قطّعت أوصال لبنان بالتزامن مع الحصار البحري والجوي الذي بدأ يشتد مع ساعات الصباح الأولى تحدّث عن حرب طويلة، وعن نية صهيونية بالذهاب بالوحشية إلى أقصاها.

برز خيار النّزوح بالنسبة للعائلات ولا سيّما التي من بين أفرادها أطفال وعُجّز. وكان خيارًا صائبًا يساعد المقاومة، إذ يحرّر رجالها من عبء القلق على المدنيين، وليس هروبًا كما يحاول المغرضون تفسيره. نزح من نزح، أما من بقوا، فقد وجدوا في خيار البقاء خيارًا وحيدًا لا يرضون بغيره، رغم علمهم بجديّة الخطر.

التحقت بالدوير إلى سجلات المجازر في ١٣ تموز كلّ من البازورية وزبقين وطير دبا والناقورة. حصيلة الشهداء تزيد من عزم الناس على المقاومة. يدركون أنّ العدو يتوخى إرهابهم وترويعهم، فيرتفع فيهم منسوب التحدي: نصرٌ أو استشهاد.

بعد مرور سبعة عشر عامًا على المجزرة، الدوير كما كلّ قرى الجنوب تستذكر النصر، تعي إلهيته التي أعزّت جرحها وجعلته بعين الله. صور الشهداء تحدّث عن ذاكرة الحرب كلّها، وعن زمن النصر الذي دخله الجنوب مع كلّ محور المقاومة. في البيوت وفي الشوارع وعلى منصات التواصل، مجازر تموز ٢٠٠٦ حاضرة اليوم كدليل على جبن العدو ورعبه، رعبه الذي يجعله يتلعثم أمام خيمة في شبعا، لا يجرؤ على لمسها حتى.

اساسيالوعد الصادقحرب تموزعادل عكاشلبنان