الفجوة التي ابتلعت الاقتصاد: سرقة موصوفة

رغم مأساوية الوضع المالي، يعتبر الاقتصاد اللبناني حتى اللحظة مقبولًا، رغم الركود وغياب الرؤية وافتقاد الخطة الواضحة وانعدام الإصلاح وزجه في Hتون الصراع السياسي القائم ضمن صراع مشاريع دولية وإقليمية تتنازع على هوية لبنان الذي طالما تميز باقتصاده الحر ومرونة النظام المصرفي فيه مستفيدًا من خبرات اللبنانيين في مرحلة بداية ثورة النفط العربي التي تقاطعت مع وجود نظام اشتراكي في سوريا ومصر.

هذه العوامل ساهمت في نهضة الاقتصاد اللبناني وتماسكه خلال الحرب الأهلية التي أوصلت للجمهورية الثانية ومشروع السلام الذي رهنت كل سياستها به. إلا أن الحقبة الأصعب كانت أواسط العقد الماضي بعد الحرب على سوريا والحصار الذي أدخل ميزان المدفوعات في حالة عجز كبير قابلته الحكومة مع المصرف المركزي بهندسة مالية بمثابة عملية هروب إلى الأمام بتواطؤ مع البرلمان وتغطية من المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف.

إلا أن السلطة السياسية صاحبة القرار المالي في لبنان لم تحرك ساكنًا أو تعمل لترتيب البيت المالي من خلال فرض ضوابط تحمي النقد وتوازن بين الموجودات والمتطلبات من خلال كبح جماح الإفراط في طباعة النقد وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج. وبمراجعة بسيطة يتبيّن أن الحكومة بدّدت ستة مليارات دولار من احتياطات المصرف المركزي، من خلال صرفها وفق قرارات واتجاهات سياسية لا اقتصادية راكمت العجز المالي، وضاعفت الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، دون أن تواكب غلاء الأسعار لتحفظ عائدات الخزينة بالرسوم الجمركية العائدات الخلوية والضرائب، ما حرم الخزينة مليارَي دولار استعاضت عنها السياسات الحكومية بتعاميم فيها سرقة موصوفة للودائع اتبعها حاكم المصرف المركزي كبدعة “صيرفة”، بعد انسحاب المركزي من دوره في حماية النقد.

إلا أن المصالح السياسية التي جمعت كامل مكونات الحكم وتورطهم، أوصلت إلى ضرب القطاع المصرفي دون المساس بأصحاب المصارف، وبدّدت رؤوس أموال المودعين التي فقدت أكثر من 90% من قيمتها، فسنتدات الخزينة المستحقة على الدولة اللبنانية والتي كان يصدرها المصرف المركزي كانت في حينها تقدر بـ92 ترليون ليرة لبنانية، أي 92 ألف مليار ليرة لبنانية، بما يوازي 61 مليار دولار أميركي، تحولت حاليًا إلى ما يقارب المليار دولار بعملية سرقة موصوفة لم يشهدها العالم من قبل، ولم تحرّك أي من الأطراف ساكنًا حتى بقي هذا الأمر بعيدًا عن التداول الإعلامي.

اساسي