سياسة التعدي على الممتلكات البحرية اللبنانية من شماله إلى جنوبه لم تكن جديدة نسبيًا، إذ ارتبطت هذه الظاهرة الخطرة بتاريخ لبنان منذ سنوات كثيرة، ولم تكن محصورة بفئة معينة أو بطائفة محددة، إلا أن ما لا شكّ فيه أن هذه التعديات ارتبطت بكل أشكالها وأطرافها بسياسيّي هذا البلد ومصالحهم الخاصة قبل كل شيء.
آخر هذه التعديات كانت جنوبًا، وتحديدًا في منطقة إسكندرونة على ساحل الناقورة، هذا الشاطئ الذي يعتبر من أجمل الشواطئ اللبنانية ويتمتع بخصوصيات عدة، لم تستثنه أيادي المخربين والخارجين عن القانون من التخريب والتشويه، الأمر الذي دفع جمعية “الجنوبيون الخضر” للتحرك إعلاميًا وشعبيًا والتواصل مع المعنيين في الوزرات لاتخاذ الإجراءات اللازمة لا سيما وزارة الأشغال التي تعاونت بجدية مع المطالب وأوقفت التعديات.
تعديات علنية وتجاوز للقوانين
في إطار متابعة المخالفات والتعديات التي وقعت على ساحل الناقورة، تواصلنا مع مصادر في جمعية “الجنوبيون الخضر” والتي تعنى بالحفاظ على الإرث الطبيعي البيئي والثقافي في الجنوب ولبنان.
ووفق مصادر الجمعية، فإن” أشغالًا من نوع ردم وجرف لحقت بعقارات خاصة في منطقة إسكندرونة، وقد ألحقت هذه الأشغال أضرارًا عدة في الموقع”، فضلًا عن أنه من المرجح أن تكون “قد تجاوزت أيضًا الممتلكات العامة البحرية، وذلك وفقًا للقانون رقم 144، نظرًا لتداخل حدود العقار مع الشاطئ والبحر وهذا الأمر متكرر في العديد من العقارات الخاصة على ساحل الناقورة وقد ظهر بشكل واضح في المسح الأخير”.
وأضاف المصدر الخاص بالجمعية أنه فور معرفتهم بالأمر، “تم التواصل مع وزارة الأشغال حيث تبين أن المالك حاصل على رخصة من قبلها”، لتقوم الجمعية بتبيان ملاحظتها عبر كتاب موجه إلى وزير الأشغال بأن “الرخصة غير قانونية لأنها تتعارض مع قانون حماية البيئة 444 ومرسوم أصول تقييم الأثر البيئي 8633، كما تتعارض مع الخطة الشاملة للأراضي اللبنانية” وفقًا للمصدر.
عطفًا على ذلك، فقد عمدت الجمعية، إلى جانب تحركها الرسمي، إلى تحريك الرأي العام تجاه القضية وإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار “#هذاالبحرلنا” للضغط على المعنيين لإيقاف الأشغال والرخص الممنوحة، وقد تمكنت هذه الجهود فعلًا من تحقيق المطالب المرجوّة.
الوزارة تتحرك والأضرار كبيرة
بعد التحركات الرسمية والشعبية والإعلامية التي قامت بها جمعية “الجنوبيون الخضر”، أعلن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور علي حمية، في الثامن عشر من الجاري أنه سيسحب الترخيص فور تبلّغه من وزارة الداخلية أو وزارة البيئة بأيّ تعدّيات على الملك العام.
وفي هذا الإطار أصدر المدّعي العام البيئي في الجنوب القاضي رهيف رمضان قرارًا قضى بوقف أعمال ردم البحر الملاصق للعقار بعد شكاوى ضدّ التعدي على الأملاك البحرية إلى حين التأكد من قانونية الإجراء.
رغم تحقيق الأهداف المرجوة من المطالب والتحركات الشعبية والإعلامية، إلا أن كل ذلك “لم يمنع وقوع الأضرار في الموقع” وفق ما أفادنا المعنيون في جمعية “الجنوبيون الخضر”، ومن بين هذه الأضرار “جرف مصطبات صخرية تلعب دورًا حيويًا في النظام البحري البيئي والشاطئي وما بينهما بتوفير المأوى والغذاء، بالإضافة إلى تشويه معالم الشاطئ وتغييرها على مساحة 19 دونم”.
وأضاف المصدر عينه أيضًا أن المطلوب حاليًا “هو تقييم شامل لما جرى” الأمر الذي يعتبر من مسؤولية وزارة الأشغال بالتعاون مع وزارة البيئة، على أمل أن يتحمل المخالفون المسؤولية الكاملة اتجاه ما تسببوا به من أضرار بيئية وبحرية، وأن تتخذ الوزارات المعنية الإجراءات المناسبة والرادعة بحق كل مخالف ومعتدٍ على الاملاك البحرية العامة.
إن جهود وتحركات جمعية “الجنوبيون الخضر” تعدّ مبادرة قيّمة ومسؤولة، وتعطي بادرة أمل للبنانيين بأن لا حق ضائعًا إن كان خلفه مطالب، وهذا الشاطئ النقيّ الغني بالتنوع البيئي والذي يقصده الرواد من كل المناطق ومن خارج لبنان، سيبقى ملكًا للشعب ومتنفّسًا له، بعد أن حرمه أصحاب النفوذ والسلطة والجشع من الكثير من حقوقه وحرياته.