لم تشفع آلام ومأساة مرضى السرطان في لبنان لأصحابها أمام ظلم وتآمر وحقارة أهل السلطة السياسية الفاسدة، ولم تسعفهم المعاناة التي يعيشونها والتي تفاقمت مع بدء الأزمة الاقتصادية منذ ثلاث سنوات في الحصول على علاجهم وأدويتهم، بل على العكس من ذلك، فالطبقة السياسية الحاكمة لم تستثن حتى هؤلاء من فسادها، ولم تترك بابًا للرحمة ولا طريقًا نحو الحياة إلا وقطعته بشدة.
معاناة مرضى السرطان في لبنان ليست بجديدة، إلا أنه عند هذا النوع من المعاناة لا خيار للآخرين سوى أن يجسدوا إنسانيتهم، لكن إنسانية أصحاب القرار في هذا البلد المنهوب المتهالك سقطت مع سقوط الدولة بكامل مؤسساتها لا سيما الطبية والصحية والاستشفائية.
مرضى السرطان يعيشون كارثة حقيقية
لم يكن المرض وتداعياته سببًا فريدًا في تفاقم معاناة مرضى السرطان في لبنان، لأن إهمال الدولة وتقاعسها عن توفير الخدمات الطبية اللازمة، يشكل سببًا آخر لتعاظم المعاناة وتفاقمها.
لبنان البلد المنكوب المنهوب، المشتت بين طبقة اجتماعية فاحشة الثراء وأخرى غارقة في فقر مدقع، احتل المرتبة الأولى بين دول غربي آسيا عام 2018، بعدد إصابات السرطان قياسًا بعدد السكان، كما أن هناك 242 مصابًا بالسرطان، بين كل 100 ألف لبناني وفقًا “للوكالة الدولية لأبحاث السرطان” التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، كان قد سجل لبنان بحسب تقرير نشره “المرصد العالمي للسرطان” المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في مارس 2021، 28,764 إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينها 11600 حالة عام 2020، وتجدر الإشارة إلى أن آخر إحصاء لوزارة الصحة كان عام 2016، بينما يزداد عدد المرضى 12000 مريض كل عام.
أمام هذه الأرقام المخيفة، فإن شبح رفع الدعم عن أدوية السرطان وغيره من الأمراض المزمنة لا زال يلوح في الأفق، لا سيما مع إعلان العديد من الجهات منذ اشهر عن نية مصرف لبنان رفع الدعم جزئيًا عن هذه الأدوية، من خلال إخضاعها كغيرها من السلع لسعر الصرف الرسمي الجديد والبالغ 15.000 ل.ل مما يعني مضاعفة أسعار أدوية المريض عشر مرات.
وفي هذا الإطار، أوضح وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض أن “الدعم رُفع عن بعض الأدوية السرطانية التي تُعوّض بجينيريك أقل ثمنًا، فتم توجيه الدعم نحو أدوية الجينيريك، وذلك بهدف خفض كلفة الدولار لجهة استيراد الدواء”. وأكد الوزير استمرار الأدوية ذات الجينيريك، وكشف عن وجود مبلغ قدره 35 مليون دولار شهريًا مخصّص للدعم الذي سيستمر لـ4 أو 5 أشهر، وأن لا داعي للقلق.
المعاناة مستمرة.. لا حلول جديدة
لم تكن كارثة رفع الدعم عن أدوية السرطان وحدها ما زاد معاناة المرضى، بل إن الكارثة أتت تزامنًا مع انقطاع كبير لهذه الأدوية، واضطرار ذوي المرضى لتأمينها من الخارج إن كان عبر تركيا أو الهند وذلك بمبالغ خيالية.
وبالحديث عن الجهة الأولى المسؤولة عن تفاقم الأمور، يشير المتابعون والمعنيون في هذا المجال، لا سيما الجمعيات المتعلقة بمساندة مرضى السرطان في لبنان، إلى أن المسؤولية الأساسية تقع على مصرف لبنان ممثلًا بحاكمه، إذ من الواضح أنّه الآمر الناهي في كل ما يتعلق بأمور وقرارات هذا البلد لا سيما الاقتصادية والمعيشية منها، ورغم وجود اعتراض من قبل الوزارة ومجلس الوزراء بشكل عام على قرار رفع الدعم، إلا أن هذا لم يغير شيئًا في مجريات الأمور.
ومن جهة اخرى، يرى المعنيون أنه من واجب الحكومة اليوم الضغط على مصرف لبنان لاستثناء أدوية السرطان من قرار رفع الدعم، لا سيما وأن المستشفيات باتت غير قادرة على تغطية فرق السعر الذي ضرب بعشرة أضعاف، فضلًا عن الأعباء والتهديدات التي يعيشها القطاع الاستشفائي بشكل عام.
ورغم وجود حديث عن آلية تسدد بها الدولة الفارق المترتب عن رفع سعر الصرف بحيث تدفع عن المريض 13500 ليرة لكل دولار ويسدد هو وفق سعر 1500 ليرة، إلا أن هذه الآلية تبقى رهن التطورات السياسية في البلاد لا سيما في ظل الفراغ الرئاسي والحكومي، فضلًا عن المناكفات والجدالات السياسية التي ترتبط بها العديد من القرارات المصيرية في هذا البلد المترهل.
لا يسعنا اليوم سوى أن ننقل معاناة مرضى السرطان كما هي، بقساوتها ومرارتها وشدتها، وبحقارة وظلم وإهمال أهل السلطة ومعهم مصرف لبنان وحاكمه، والذين غابت عنهم كل معاني ومفاهيم ومشاعر الرحمة والإنسانية والمسؤولية، ونضم صوتنا إليهم عسى أن يكون في ذلك شريان أمل لهم ويقظة ضمير لحكامنا المتآمرين على مرضهم وحياتهم.