الإعلام.. نحو خطّ الهجوم

دعنا من بؤس المقارنة بين اعلام يقاوم وآخر يذهب في التصهين إلى أقصاه، ودعنا من إظهار التفاجؤ العاتب ولو شكلًا في كلّ مرّة يمارس فيها الإعلام المتصهين دوره الوظيفي والطبيعي كماكينة معادية لكلّ فعل مقاوم، ولكلّ عمل يضرّ بمشغّليه الصهاينة. هذا الإعلام يقوم بعمله، وبشكل ممنهج وصريح ولا يتوخّى سترًا لقبائحه ولا يخجل بارتباطاته وأهدافه. وأكثر من ذلك، يتوجّب علينا كجمهور وكمؤسّسات أن نقلق ونرتاب، حين يندس في ما يعنينا وما يمسّنا فردٌ أو مؤسّسة من العاملين في فلك عوكر وأخواتها.

الإعلام المقاوِم، بكلّ تشكيلاته، الفردية والمؤسّساتية، غير معني بما يقدّمه الإعلام الآخر، إلّا في الإطار الذي قد يعني المقاتل من مجريات تحدث في معسكر العدو. بكلام آخر، متابعة الإعلام المعادي للمقاومة لا تتعدّى الاطلاع الواجب على ما يجري في ساحة العدو، وليست أبدًا على سبيل الاستهجان لأن من في الساحة لم يغطِّ الأحداث التي تعنينا كبيئة مقاومة.

مرّت سنين وهذا الإعلام يهاجم كلّ ما يمتَّ إلينا بصلة، يطلق علينا نيران الكذب، يفخّخ أرضنا المجتمعية بألغام الإفساد، يتسلّل إلى بيوتنا من خلال برامج مشبوهة، يستفزّنا بالتعرّض لرموزنا ومقدّساتنا، يحاول جرّنا إلى مستنقعه القذر كي نتلوّث مثله ونصير سواسية. بالمقابل، حمل كلّ منا سبعين محملًا حسنًا. اعتمدنا التجاهل والتغافل والتجاوز والترفّع في مرّات كثيرة، وفي أخرى صددنا سيل الكذب بأسوار الحقائق الساطعة، ودحضنا التضليل المشبوه بالصدق وبالأمانة، ووضّحنا الواضحات لتبيين ما عمد المتصهينون إلى تشويهه وتجهيله، ولم ننتقل عمليًّا بعد إلى اتخاذ موقع الهجوم، ليس من باب فائض القوّة، بل من باب ردّ الفتنة إلى نحر أهلها، ووضع النقاط على الحروف التي عبث بترتيبها أهل الجهل والتجهيل والسطحية والتسطيح والتغابي والاستغباء.

الهجوم هنا ليس من أجل تبيان الحقائق وكشفها أمام جمهور ضلّلته زعاماته المعادية للمقاومة فصار بدوره معاديًا مسلّحًا بالحقد وبالتعبئة الطائفية والمذهبية وحتى الطبقية، فهذا الجمهور بغالبيته يمتلك جهوزية لتصديق الأكاذيب أصلًا ولا يوجعه استغباء زعاماته له واستخفافهم بعقله. وهو أيضًا، أي الهجوم المطلوب، ليس لتثبيت الثوابت والبديهيات في صفوف بيئة المقاومة، فهم قوم يمتلكون من الوعي ما يكفي لانعدام الحاجة للأدلة الحسيّة كي يوقنوا بنقاء المقاومة وصحّة خياراتها. الهدف من الهجوم هو تحجيم الخصم، وضعه في الزاوية التي ينبغي أن لا يتعدّى حدودها كجهة مشبوهة، دفعه إلى الانشغال بتبرير ارتكاباته، وهو المرتكب الذي نصّب نفسه حكمًا وقاضًا يسائل ويحكم ويطلب تبريرات لكلّ فعل شريف.

باختصار، لا يُسمح لمؤسسات إعلامية معادية للمقاومة بتوجيه اتهام لحزب الله باستفزاز الصهاينة في كفرشوبا، وبدلًا من السعي في شرح الموقف وحيثياته، ينبغي أن نسبقها بسؤال اتهامي: ما كان ثمن مرافعاتكم في الدفاع عن موقف الصهيوني، وما الذي يدفعكم لاختلاق اعذار لارتكابات الصهاينة والمطبعين معهم؟ من هنا نبدأ، أنتم المتهمون ونحن بأقل تقدير من يحق له توجيه الاتهام المدعّم بالأدلّة. من صفحاتنا الشخصية وحساباتنا الفردية إلى المؤسسات الإعلامية المقاومة أو الصديقة للمقاومة، الجميع هنا معنيّ بشنّ الهجوم وليس انتظار الفعل واتخاذ قرار رد عليه.

الإعلام “المتصهين”، ودكاكين عوكر الإعلامية، يجب أن تجد نفسها في كلّ يوم مضبوطة بجرائمها المشهودة وما أكثرها. قليل من المتابعة والتدقيق يمكّننا من اكتشاف خطابا وجرائم وشبهات اعلامية متجدّدة ومتواصلة.

السؤال مثلًا الذي مرّ منذ “لماذا لم تغطّ أحداث كفرشوبا وسائل اعلام من نصّبوا أنفسهم أكياس رمل يصفّها الإسرائيلي دشمًّا بينه وبين المقاومة؟” هو سؤال يوحي ولو دون قصد من مطلقيه أنّ هناك حاجة لأن يقوم هذا الإعلام بتغطية حدث مقاوم. تحويل السؤال إلى جملة اتهامية أنجع وأفضل كسياسة اعلامية يتبعها الأفراد وتبدأها المؤسسات: إعلام عوكر متضرّر من مشهد “جيش وشعب ومقاومة” في كفرشوبا، ويعزّ عليه تغطية عجز مشغّله ونقل صورة حيّة عن الوقائع التي تضرّ بصورة “اسرائيل”. وبدلًا عن “لماذا استنكر الإعلام العوكري بكل مؤسساته وأفراده منع دخول المطبّعة الكويتية فجر السعيد إلى الأراضي اللبنانية؟”، وضع هذا الإعلام في قفص اتهام بالتطبيع قضبانه ارتكابات هائلة قام بها هذا الإعلام من دون ستر أو حياء.

إن الانتقال في تحرير كلّ خبر من منطقة الدفاع إلى خط الهجوم، باعتماد المعطيات ذاتها، والصدق ذاته، وحكمًا تحميل لغة الخبر الموقف الصحيح والمحقّ، الموضوعيّ الذي لا يسقط في منطقة الحياد. وهنا المسألة لا تتعلّق حصرًا بالإعلام التقليدي، بل تشمل الإعلام الإلكتروني بكلّ منصّاته، الفردية والرسمية.

اساسي