ماذا يعني إعادة انتخاب أردوغان بالنسبة إلى الغرب وروسيا؟

سيكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية في تركيا تأثيرها على ملفات متشعبة تعني موسكو من سوريا الى أوكرانيا فحلف شمال الأطلسي والطاقة، ما يدفع للاعتقاد بأن الرئيس فلاديمير بوتين كان ليقترع لصالح رجب طيب أردوغان، فيما لو أتيح له الإدلاء بصوته الأحد.

تنفس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصعداء بعد إعلان فوز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بولاية رئاسية جديدة في انتخابات جولة الإعادة الأحد حيث سارع الى تهنئة “صديقه العزيز” قائلا إن الفوز دليل على تقدير الشعب التركي للسياسة الخارجية المستقلة التي ينتهجها أردوغان” فيما يرى مراقبون ان فوز الرئيس الحالي هو انتصار لموسكو التي تسعى لمواجهة العقوبات الغربية وترتبط بعلاقات متينة مع انقرة.

وقال الكرملين إن بوتين وجه رسالة لأردوغان قال فيها إن “الفوز في الانتخابات كان نتيجة طبيعية لعملكم المتفاني كرئيس للجمهورية التركية، وهو دليل واضح على دعم الشعب التركي لجهودكم في تعزيز سيادة الدولة وإدارة سياسة خارجية مستقلة”. وأضاف “نحن نقدر بشدة إسهامك الشخصي في تعزيز العلاقات الروسية التركية الودية والتعاون الثنائي المثمر في مختلف المجالات”.

وقال إنه يعلق أهمية كبيرة على المشروعات المشتركة مثل محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا، والتي تشيدها شركة روساتوم الحكومية الروسية للطاقة، وإنشاء مركز الغاز الذي اقترحه بوتين في تركيا.

على رغم التنافس بين إرث الامبراطوريتين التاريخيتين على ضفتي البحر الأسود، نسج بوتين وأردوغان اللذان يمسك كل منهما بمقاليد الحكم منذ أعوام طويلة، علاقة شخصية وثيقة اكتسبت أهمية أكبر مذ وجدت موسكو نفسها تحت عقوبات غربية متزايدة، منذ بدء الحرب الاوكرانية مطلع عام 2022.

يقول الخبير في العلوم السياسية المقرّب من دوائر القرار في الكرملين فيودور لوكيانوف إن أردوغان بالنسبة إلى بوتين هو “حالة خاصة” لأنه “يمكن الاتفاق معه على مواضيع عدة” ويضيف “العلاقة الشخصية القديمة بين الرئيسين تساهم (في ذلك) بشكل كبير. يفهمان بعضهما البعض بشكل جيد”.

كيف يمكن لهم (الروس) أن يفضّلوا رئيسًا غير أردوغان، زعيم القوة العسكرية الثانية في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، والذي اختار الأسبوع الماضي أن يتحدث، وعبر شبكة “سي إن إن” الأميركية تحديدًا، عن “العلاقة المميّزة” التي تربطه ببوتين؟.

وقال أردوغان: “نحن دولة قوية وتربطنا علاقة إيجابية بروسيا.. روسيا وتركيا تحتاجان بعضهما البعض في كل مجال”.

في المقابل، أثار كيليتشدار أوغلو حفيظة روسيا بعدما اتهمها مطلع أيار بالتدخل في الحملة الانتخابية، وهو ما نفته موسكو بشدّة واعتبر لوكيانوف أن فوز كيليتشدار أوغلو في الانتخابات سيمثّل “خطرًا” على مستقبل العلاقات الروسية التركية. ويتحدث على سبيل المثال عن إمكان أن يؤدي فوز كهذا إلى تحسن العلاقات بين أنقرة وبعض حلفائها في الناتو، بعدما شابها توتر على خلفية قيام أردوغان بشراء أنظمة “إس-400” للدفاع الجوي من روسيا، ما أثار انتقادات واسعة من حلفائه خصوصًا الولايات المتحدة.
وفي حين يؤكد الكرملين أنه لا يقف في صفّ مرشح على حساب الآخر، الا أن الإشارات على من يفضّله غير خافية.

وحسب أناتولي نسميان، الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، فإن لأردوغان مصالحه الخاصة، وما دامت هذه المصالح تخدم علاقاته مع روسيا فسيحافظ على مستواها الحالي. وفي هذا الصدد، يرى يشار نيازباييف، الخبير في الشؤون التركية وصاحب قناة الأجندة التركية، أن فوز أردوغان يضمن عدم حدوث تغييرات جوهرية لأن هناك علاقات راسخة بين موسكو وأنقرة ويدرك الطرفان ما ينبغي القيام به.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ساعة مبكرة من يوم الاثنين، أن الشعب كلّفه برئاسة الجمهورية لخمس سنوات أخرى، وذلك في كلمة له من القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة.

وبعد فرز أكثر من 99% من صناديق الاقتراع في عموم البلاد، حصل أردوغان على 52.14% من أصوات الناخبين، فيما حصل منافسه مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليتشدار أوغلو على نحو 25.2 مليون صوت، أي 47.86%، بعدما أدلى أكثر من 52.5 مليون مواطن تركي بأصواتهم في صناديق الاقتراع.

وينظر إلى الانتخابات التركية على أنها واحدة من أكثر الانتخابات أهمية في تاريخ تركيا الحديث، فهي لا تحدد فقط من سيقود البلاد، بل طريقة حكمها، وإلى أين يتجه اقتصادها ومسار سياساتها الخارجية.

بعد إعلان أردوغان فوزه في الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية، كيف ستبدو الصورة، في الداخل والخارج؟ تبعًا لنتائج الانتخابات، فإنّ تولي أردوغان الحكم لـ5 سنوات أخرى، يعني استمرار العمل بالنظام الرئاسي، الذي يؤمن للرئيس صلاحيات واسعة، أبرزها تعيين كبار مسؤولي الدولة، بشكل مباشر، بمن فيهم الوزراء ورؤساء الجامعات والقضاة، أي أن قبضته تطال كل مؤسسات البلاد.

ويقول منتقدو أردوغان، إن حكومته كمّمت أفواه المعارضة وقوضت الحقوق، وبعد محاولة انقلابية فاشلة في 2016، وسع أردوغان سلطاته، واعتقل عشرات الآلاف من الأشخاص وسيطر على الإعلام، كما تهرّب من تحقيق فساد طال دائرته المقربة. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن حزب العدالة والتمنية، أعاد حقوق الإنسان، عقودًا إلى الوراء. بينما رأت إلكيه تويغور، أستاذة الجغرافيا السياسية الأوروبية في جامعة “كارلوس الثالث” في مدريد، أن “الانتصار قد يؤدي إلى تمادي اردوغان أكثر”، وأكدت: “أتوقع الأسوأ، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية والسياسة الخارجية”.

يتمتع أردوغان بشعبية كبيرة بين صفوف الناخبين المحافظين والقوميين، وبعد عقود من نظام علماني صارم، تبنى حزب أردوغان نهج الإسلام السياسي، من خلال منح المواطنين المحافظين حقهم في ممارسة طقوسهم الدينية، حيث سمح للنساء بارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، مثل الجامعات والخدمات المدنية، بينما كان ذلك محظورًا.

وفي الفترة المقبلة، قد ينتهج أردوغان سياسة أكثر راديكالية، بعد أن وسع تحالفه مع الجماعات الإسلامية قبيل الانتخابات، مثل حزب الدعوة الحرة “هدى – بار” وحزب “الرفاه الجديد”، ومن المحتمل أن تتعرض حكومته لضغوط من هذه الأحزاب لاتباع المزيد من السياسات الإسلامية.

جاءت الانتخابات وسط أزمة اقتصادية صعبة، زاد من حدتها الزلزال الذي ضرب البلاد، وسجلت الليرة التركية أدنى مستوياتها، وازداد الطلب على العملة الصعبة، وتراجع احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية إلى أدنى مستوى له منذ عام 2002.

لذلك يتوقع المحللون أن تكون أولوية أردوغان هي إصلاح الاقتصاد، لكن من غير المتوقع حدوث تغييرات كبيرة في النموذج الاقتصادي قبل الانتخابات المحلية في عام 2024.

اشارت الخبيرة الاقتصادية أردا تونكا الى ان: “المشاكل الاقتصادية الكثيرة في تركيا هي نقطة ضعف نظام أردوغان”. وفي الأسبوع الماضي، وردت أخبار حول تزايد الانقسامات بين أعضاء حزب العدالة والتنمية، بشأن السياسات الاقتصادية المستقبلية، حيث يبحث البعض عن بديل لبرنامج أردوغان المثير للجدل، فخلافًا لكل النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، يعتزم مواصلة خفض نسب الفوائد رغم التضخم الذي يفوق نسبة 50 في المائة.
وتمكن رجب طيب أردوغان من الاحتفاظ بالدعم في المناطق المنكوبة جراء الزلزال، رغم تأخر الإغاثة وانهيار عشرات الآلاف من المباني على سكانها. وفي الجولة الأولى من التصويت في 14 مايو، والتي شملت انتخابات برلمانية، برز حزب العدالة والتنمية في المركز الأول في 10 من 11 مقاطعة ضربها الزلزال، مما ساعده على تأمين أغلبية برلمانية إلى جانب حلفائه.

في عهد أردوغان، أزعجت أنقرة حلفاءها في حلف شمال الأطلسي واتخذت موقفًا أكثر صدامية واستقلالية في الشؤون الخارجية. كما استعرضت قوتها العسكرية في الشرق الأوسط وخارجه. وفيما يُتوقّع أن تبقى العلاقات مضطربةً مع الغرب، يُنظر إلى أنّها ستكون أكثر استقرارًا مع روسيا، خصوصًا بعد مشاركة #اردوغان ، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في احتفال رسمي، بمناسبة بدء تزويد محطة “أكويو” للطاقة النووية بالوقود النووي، قبيل أيام من بدء الانتخابات العامة في تركيا.

وحافظت #تركيا في عهد أردوغان على علاقاتها مع روسيا، في وقت قطعها الغرب بعد بدء موسكو حربها على أوكرانيا. وحافظت أنقرة على ” موازنة” دبلوماسية، فقد عارضت من جهة العقوبات الغربية على روسيا، وفي الوقت نفسه أرسلت طائرات من دون طيار إلى كييف.

ومؤخرًا، أدت أنقرة الدور الأبرز، إلى جانب الأمم المتحدة، في إتمام “صفقة الحبوب” بين أوكرانيا وروسيا، التي أعلن أردوغان تمديدها، قبل أسبوعين.
ووفقًا للخبراء، لا يريد الرئيس للتركي الانفصال تمامًا عن الغرب، إنه يريد فقط أن يفعل الأشياء بطريقته الخاصة. ومن المحتمل أن تستمر علاقته الخلافية والمشاكسة مع الغرب.

اردوغاناساسيتركياروسيا