بات تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أمرًا غير مرغوب إلى حد ما وفي أوقات كثيرة، والأمر يعود بالطبع إلى حجم الفساد الأخلاقي والديني الذي جعل من هذه المنصات الاجتماعية منبرًا له، والذي تخطى كل حدود الدين والأخلاق والمنطق.
هذا الانحطاط الأخلاقي الافتراضي يعكس بالتأكيد انحطاطًا أخلاقيًّا واقعيًّا بكل تفاصيله، وينذر بأن الآتي أكثر خطورة وفظاعة، إن كان على المستوى الاجتماعي أو الأسري أو الثقافي، للأجيال الحالية والأجيال القادمة. وفي هذا السياق كان موضوع الحجاب واحدًا من الظواهر الأكثر انتشارا على مواقع التواصل، ووصل مؤخًرا إلى مرحلة متقدمة من الفسق والانحطاط لتصبح هذه الفريضة السماوية “ترند” للشهرة وكسب المتابعين.
خلع الحجاب وسيلة للموضة والشهرة
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا بمقاطع الفيديو التي تظهر العديد من “التيك توكر” أثناء قيامهن بخلع الحجاب، في محاولة لجمع أكبر عدد ممكن من المشاهدات والتفاعلات وزيادة عدد المتابعين، كواحدة من الوسائل الفعالة على طريق الشهرة “الافتراضية”.
الجدير بالذكر أن العديد منهنّ حاولن تبرير ما قمن به بطرق أكثر حقارة وبشاعة من الحدث بحد ذاته، حيث وصل الأمر ببعضهن إلى الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم لشرح الأمر، إذ ذكرت إحداهن في تعليق لها بعد خلع حجابها الآية الكريمة “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”، في محاولة لتبرير قرارها.
موضة خلع الحجاب لم تكن جديدة نسبيًا، حيت انتشرت منذ سنوات مع ظهور عالم التواصل الاجتماعي وأدواته، وها هي تشهد اليوم انتشارًا واسعًا، حتى وصلت لمرحلة “الموضة العصرية” وبتنا نراها بشكل متكرر، وأصبحت بالنسبة للكثيرين مشهدًا “اعتياديًّا”.
هذه الأخبار التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا وأصبحت “ترند”، شهدت موجات انتقادات لاذعة وكبيرة من قبل الكثير من المتابعين، أما الأسلوب الذي عبّرت به “التيك توكر” عن الأمر وكيفية تبريرهن لهذا القرار، فهو ما فجر جدلًا واسعًا في أوساط المتابعين الذين اعتبر الكثير منهم أن هذا التصرف هو دلالة واضحة على حجم التخلف والجهل لدى هؤلاء.
الترند مقابل الترند.. والوعي هو المطلوب
شكل عالم التواصل الاجتماعي حلبة صراعات ثقافية وفكرية “افتراضية”، إذ بتنا نشهد حربًا من نوع آخر، حربًا أكثر تأثيرًا وفتكًا من أي نوع من الحروب الأخرى، لأنها تطال الثقافات والمعتقدات والأفكار، وهي قادرة على تغيير وجه العالم بطريقة خيالية.
لم تعد الأسلحة العسكرية وحدها وسيلة لخوض المعارك، فقد استبدلت بها اليوم أسلحة من نوع آخر، تسمى “ترند”، وعند كل حدث أو خبر يجتاح هذه المواقع، ترى المتابعين منقسمين في جبهتين، بين مؤيد ومعارض، ولكل “ترند” ترى “ترند” آخر مقابلًا له.
موضة خلع الحجاب هي أحد الأسلحة التي لجأت إليها العديد من “المتخلفات أخلاقيًا وفكريًا” للوصول إلى عالم الشهرة على حساب الدين والشرائع الإسلامية، لتحقيق غايات دنيوية قذرة. الأمر هنا لا يتعلق بالحرية الشخصية وحرية الاختيار، لأن مسألة ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه تخص صاحبة القرار بالدرجة الأولى، رغم أنها فريضة دينية واجبة قبل كل شيء، ولكن أن يصل الأمر إلى حد استغلال الدين وأحكام الله لأجل الشهرة وتبرير المعصية، فهذا الأمر تخطى كل حدود الدين والأخلاق.
وفي هذا السياق ورغم لجوء البعض إلى إطلاق تراند متعلق بارتداء الحجاب وأهمية تطبيق الفريضة والغاية التي أرادها الدين منها، إلا أن ثمة نوعًا آخر من المتابعين الذين استغل معظمهم “ترند خلع الحجاب” ليشنوا هجومًا وانتقاضات معارضة ليس لشيء سوى لكسب المشاهدات وزيادة عدد المتابعين أيضًا.
أمام هذا الواقع، يبقى المطلوب بالدرجة الأولى هو الوعي في تصفح مواقع التواصل، وكيفية التعامل مع “الترند” بشكل لا يساهم في انتشاره ولا يخدم صاحبه، والعمل على التفاعل مع الحملات الأخرى والمتابعين الذين يتصرفون بحكمة ووعي ولغايات واضحة ومعروفة، يكون الهدف منها نشر الوعي والثقافة الإسلامية الصحيحة، في محاولة لتوجيه الرأي العام وطرح مسألة الحجاب من الجانب الديني والإنساني والأخلاقي والمجتمعي، بعيدًا عما يروّجه البعض ممن أسرت الدنيا وملذاتها عقولهم وقلوبهم.