عفيفة نور الدين – خاص الناشر |
يمرّ شهر أيّار على قلوب أشرف النّاس مرور الماكث طويلًا، يطول فيه النّهار واللّيل طول الذّكريات والمشاعر الخالدة، يستيقظ كلّ إحساس وتتأهّب خلايا كانت على أبواب الموت، فتحيا.
“سقطنا شهداء ولم نركع انظروا دماءنا وتابعوا الطّريق” عبارة تجاوزت حدود المسافة والزّمن لتُكتب بعد خمسة وعشرين عامًا في مدينة “القصير” بعد أن خُطّت بالدّم في “ميدون”. من ثمانية عشر شهيدًا في الرابع من شهر أيّار عام 1988 إلى ثلاثة وتسعين شهيدًا ارتقوا بالتّزامن مع بداية الاشتباك في التاسع عشر من شهر أيّار عام 2013.
“تكليفنا أن ننتصر في المعركة”. يزرع السّيّد حسن في نفوس المقاومين المُشتَبكين حتميّة النّتيجة المرجوّة، الانتصار المُنتظَر بنداء المنتظر ويبدأ الالتحام. العينُ الدّولية “المتآمِرة ” تنتظرُ ثمارَ مؤتمراتها ودعمها للجماعات المسلّحة بوجه المقاومة الّتي تخوض الاشتباك ضدّ عدوّ جديد ضمن مساحاتٍ مفتوحة بالتّزامن مع ضيق الوقت لحسم المعركة. كان على المقاومة بإذن من الله أن تُنفخ روح ميدون في جسد القُصير ليولدَ اسم آخر لبنتِ جُبيل شاهدٌ على بيت العنكبوت!
ضجّت طريق بعلبك الهرمل صباح العشرين من أيّار من العام 2013 بقوافل الصّحب. أخبارٌ تتواتر عالميًّا تهزُّ عروش الطّغاة، وتراتيلُ تسبق الأسماء. كان خبرُ الارتقاء مغايِرًا عن سابقِه، تقوم الأمّ بعدِّ أولادها وإذ بالغائب شهيد في القُصير.
استمرّت المعارك لمدّة 22 يومًا، يُقاتل أبناؤنا عن المسلمين إرهابًا ناطقًا بالتّكبير وأن “لا حكم إلّا لله”، متمسّكين بالولاية الحقّ المُستمَدّة من خطبة أمير المتّقين بصوت الأمين العام: “تزول الجبال ولا تزل، عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك، ارم ببصرك أقصى القوم، وغضّ بصرك، واعلم أن النّصر من عند الله سبحانه”.
من ميدون إلى القُصير، وعلى أبواب عيد المقاومة والتّحرير، نفّذت المقاومة يوم أمس مناورةً عسكريّةً رمزيّةً تُحاكي العبور إلى فلسطين المحتلّة تحت عنوان قَسَمٍ يؤكّد اليقين بالصّلاة الجامِعة حين يجيءُ نصر الله والفتح على أيدي جيشٍ جامعٍ يقاتل قتالَ الجيش النّظامي وحرب العصابات، توليفة إيمانيّة جهاديّة عسكريّة على نهجِ من صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واليوم تُلقى المسؤوليّة على من ينتظر.
اليوم، يعود صخبُ الدّم من جديد، يقفُ في وجه المتآمرين متكلِّمًا رسميًّا باسم الانتصارات متخطّيًا ما بعد القُصير إلى ما بعد بعد تل أبيب.