مصطفى قصير – خاص الناشر |
صوّت نواب مجلس الدوما الروسي بالإجماع، على الانسحاب من معاهدة الأسلحة التقليدية، بعد أن أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل حوالي أسبوعين مرسومًا يقضي بانسحاب روسيا من المعاهدة التي تعتبر آخر معاهدات الرقابة على التسلّح في القارة الأوروبية في خطوة اعتبرتها موسكو أنها تصبّ في المصلحة الوطنية لضمان أمن روسيا.
وتعود معاهدة الأسلحة التقليدية إلى عام 1990، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1992، وكانت تحدّد معايير الأسلحة التقليدية على أساس الموازين السابقة بين حلف شمال الأطلسي “الناتو” و”حلف وارسو”، وتضع أساسًا قانونيًّا لمناقشة ملفات الرقابة على التسلح، وانتشار القوات على جانبي خطوط التماس.
وفي إطار تطوير المعاهدة، شهدت قمة إسطنبول لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في عام 1999، توقيع اتفاق حول تعديل المعاهدة، بسبب تغيّر الوضع السياسي والعسكري في أوروبا، بعد زوال حلف “وارسو” وتداعيات تفكك الاتحاد السوفياتي. إلا أن المعاهدة المعدلة لم تدخل حيّز التنفيذ، بسبب عدم توقيع دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” عليها، ومواصلة عملها على معاهدة عام 1990.
وتقدم الجانب الروسي بطلب لتعديل المعاهدة، وتم رفض الطلب الروسي، فوقعت روسيا على قرار تعليق مشاركتها في المعاهدة اعتبارًا من 12 كانون الأول/ديسمبر2007، لتعلن الولايات المتحدة من جانبها في العام 2011 عن “تعليق تنفيذ بعض التزاماتها أمام روسيا”، وذلك بعد عدة سنوات من المحاولات لإنقاذ المعاهدة، وأعلنت روسيا التعليق التام لمشاركتها في المعاهدة اعتبارًا من 11 آذار/مارس 2015، إلى أن انسحبت منها الآن.
الخبير في الشؤون الروسية الدكتور اسكندر كفوري أكد في حديث لموقع “الناشر” أن: “هناك مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من هذه المعاهدة إذ إن من شأن هذه الخطوة تقييد روسيا عسكريًّا في معركتها التي تخوضها في أوكرانيا مع الغرب بسبب الالتزامات المنوطة بها بشأن هذه المعاهدة منذ ولاية آخر رئيس للاتحاد السوفياتي “ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف”، و في الوقت نفسه حررت موسكو نفسها بالانسحاب من هذه المعاهدة التي كانت تلزمها الرد في أي مواجهة حيث أصبحت تملك حرية القرار بالأسلحة المناسبة.
سياسيا اعتبر الخبير بالشؤون الروسيّة أن: “هناك مكتسبات سياسية ربحتها #روسيا بسبب انسحابها من المعاهدة منها: معاودة تأميم بعض المرافق التي خصخصت بسب هذه المعاهدة وإعادة “إيديولوجية الدولة” إلى الدستور التي تقضي بتنفيذ النظرية الروسية الجديدة في السياسة الخارجية القائمة على المبادئ الثابتة وليس على المصالح المتقلبة بين الدول والتي مكنت روسيا من التمييز بين العدو والصديق”.
أما داخليًّا، فقد تمكنت روسيا بانسحابها من هذه المعاهدة بحسب كفوري من إعادة النظر في بعض السياسات التي يمكن أن تعيد البلاد إلى نهج العهد السوفياتي نوعًا ما التي وحدت الجهود الداخلية في مختلف المجالات من أجل المصلحة الوطنية خاصة في وجه الدول الغربية التي تدحرج الأمور عادة للوصول إلى تفكيك المعاهدات والتفاهمات استعداء للسلام العالمي واشعالًا للحروب التي تعتاش هذه الدول عليها من أجل الإبقاء على سطوتها ونفوذها عالميًّا.
وشدد في حديثه لـ”الناشر” على أن المحور الغربي يسعى من خلال هذه السياسات إلى “أسرلة” أوروبا في خطة للحفاظ على وجود الكيان الصهيوني معتمدة على القيام بتغييرات في السياسات الثقافية الاقتصادية وديموغرافية لشعوب هذه القارة أو جرها إلى الاقتتال الاستنزافي المشابه للنزاع الحاصل اليوم بين روسيا وأوكرانيا بأسلوب مستنسخ عن “الربيع العربي” الذي فكك منطقة الشرق الأوسط “.
وختم قائلًا: “لقد أصبحت الدول الأوروبية بأكملها ضحية المشاريع الأميركية بسبب تحميلها للأعباء العسكرية والاقتصادية منذ بداية النزاع في شباط/ فبراير 2022 حيث رفعت فرنسا الإنفاق العسكري بنسبة 35%، وأوكرانيا 350%، فيما كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من بيع السلاح المكدس في المجمع الصناعي الأمريكي لدول الصراع من ميزانيات الدول الداعمة واوجدت ساحة تجارب لأسلحتها الجديدة وتكون بذلك استنزفت الدول الأوربية بشتى الطرق وقسمتها بين دول متنازعة ودول داعمة للنزاع، بالتالي تسعى هي لحل النزاع في الوقت الذي يحقق لها مصالحها أو يظهرها بصورة البطل والراعي الأوحد للسلام في العالم”.