الدايخ والملحق به.. مشهد النقص المروّع

يصعب أحيانًا فهم الدونيين، ولا سيّما حين يُفتح لهم باب استثمار الدونية والاسترزاق منها والعبور على بساطها إلى الشهرة، مرض العصر.

بداية، من هو الدوني؟ هو الفرد المنتمي إلى جماعة برابطة الدم أو المولد، والذي يعيش شعورًا بالنقص تجاه هذا الانتماء، سواء بسبب أحكام الجماعات الأخرى على جماعته، أو بسبب اعجابه شخصيًا بالنموذج الآخر وسعيه للتماهي معه. بالعربي، الدوني هو الذي بلغ به الخجل بذاته الأولى حدّ جلدها علانية، فيرضي بذلك الذات التي يتمنى أن يكونها، وذوات من يراهم أرقى منه. طيب، ماذا لو جاء من يدفع للدونيّ ثمن التعبير بأريحية عن دونيّته؟! فرصة العمر، لم تكن لتتوفّر لولا حاجة المشغّل لتشويه نموذج الجماعة المستهدفة. لا يهم، فالغاية تبرّر الوسيلة بالنسبة للأفراد المقيّدين إلى نقصهم ومشاكلهم مع ذاتهم، ولكن “تعا قلّو بيزعل”.

في إطار الحرب الإعلامية والثقافية على بيئة المقاومة، أنتجت المؤسسة اللبنانية للإرسال برنامجًا يستهدف هذه البيئة بسلاح التنميط والتعرّض للمقدّسات والاستفزاز المذهبي والتشويه المتعمّد للنموذج الساطع من هذه البيئة. لم يكن من الممكن أن تستخدم للأدوار الرئيسية شخصيات عادية، فالشروط واضحة ومحدّدة: شيعي المولد، مصاب بالدونية، مريض بالسعي إلى الشهرة ولو على صهوة الشتائم واثارة الاشمئزاز. الخصائص الفردية هنا لا تهمّ. القدرات الإبداعية غير مهمّة أيضًا. فمهمّة المستخدَمَين هي التعرّض لكل ما يمتّ إلى الشيعة بصلة، على اعتبار أنّ حزب الله شيعي، وبيئته بغالبيتها العددية في لبنان هي من الشيعة.

حسنًا، الحلقات الأولى للبرنامج حصلت على مشاهدات عالية (أغلبها من الشيعة الذين تابعوها لعلمهم أنّها تستهدفهم، وليس اعجابًا بالشخصيات الضئيلة فنيًّا التي تؤدي المشاهد في الحلقات). وحين اتضحت الصورة، خفت وهج البرنامج ومعه خفتت نشوة الشهرة التي شعر بها الثنائي قاووق-الدايخ. انتفت مصلحة LBC بالعرض، وقد يخسر الثنائي موردًا ماليًا بأي لحظة مع تناقص عداد المشاهدات، وكي لا يخسرا المردود المعنوي المتمثّل بالشهرة، كان لا بد من تكثيف ظهورهما الإعلامي والعودة من الباب نفسه: استهداف الشيعة، وهذه المرّة ليس بالتنميط القبيح الذي أظهر حسن الضدّ، فخدم البيئة من حيث لا يدري، ولا من باب المسّ بالرموز الذي أثبت فشله لاستصغار الناس لفاعله، بل من باب التحليل البسيكولوجي. أجل، الدايخ وقاووق قررا خوض غمار التحليل النفسي، فوضعا الشيعة على طاولة التمحيص، طبعًا ليس من باب علميّ يفتقدان أدنى مقوّماته وشروطه، إنّما من باب النقد بأدوات الدونية التي يبدعان فيها معًا، حدّ إثارة الشفقة عوضًا عن الغضب، وحدّ إثبات حاجتهما الطارئة للتقريع كمدمنين اعتادا جرعة “البهدلة” ويخشيان الانقطاع!

ظهر الدايخ، وإلى جانبه ظلّه القاووق، الذي ينظر ناحية الدايخ بإعجاب وامتنان لمنحه فرصة الظهور بجانبه، ليحلّل مسألة البكاء عند الشيعة. دور القاووق في المشهد-المقابلة كان فقط التأكيد على ما يقوله الدايخ عبر اتّخاذ خالاته مثلًا. المهم، يعتبر واجهة الدونيين أن البكاء عند الشيعة مرتبط بالمظلومية في كربلاء. والأمر بحدّ ذاته صحيح، لكن ما يجهله الدايخ، أو يحاول طمسه، هو الارتباط بين البكاء كحالة تعبيرية والإنسان، كل إنسان، إلا إذا أوحى له من يعتمدهم كنموذج يتمثّل به ويدفعه إلى الخجل بتولّده من أبوين شيعيين أن البكاء هو خاصية شيعية، وأنّ الآخرين يستقبلون الفجائع بالرقص طربًا، أو بالدعوة إلى دبكة لبنانية في الهواء الطلق. كذلك يحاول تصوير هذا البكاء كنواح جزع وتفجّع، متناسيًا أنّ ثقافة البكاء عند الشيعة مرتبطة بالقيمة الثورية وبالتحفيز على المقاومة. وما يتناساه الدايخ هنا هو بالضبط بيت قصيد مشغّله: البكاء في المجالس الحسينية حوَّلها إلى خزان شهداء ومقاتلين، وبالتالي كسرت العين الباكية الشيعية مخرز الأميركي في المنطقة، وبدا أن دمعها درعها الذي منع المخرز بكل أشكاله من أن يفقأها.

ماذا لو قلنا للدايخ، وليس لقاووق الملحق، أن حاله هو الذي يُحزِن؟ مقاربته المعبّرة بشكل واضح عن الدونية مزعجة إنسانيًا، فلا يمكن أن يكون مشهد جلد الذات المرضي مريحًا للعين أو للسمع. وبظل حاجته لهذا الاستعراض، يصبح أصغر من أن يلقى عتبًا، وأقلّ من أن يخاصمه المرء لشخصه، وأعجز عن فهم بشاعة ما يرتكب، وأبشع من أن يراه المرء ولا يعبّر عن الاشمئزاز.
المشهد واضح، نقصٌ تجسّدَ وحكى، دونية مدفوعة الثمن، وعجز فنّي هائل!

اساسيالدايخحسين قاووققاووقمحمد الدايخ