فيما العالم منهمك، بين حروب وتوقيع اتفاقات، دخل الانكماش الاقتصادي مرحلة اهتزت معها كبريات المصارف العالمية وبدأت طلائع الانهيار تتضح معالمها خلف المحيطات من بلاد العم سام المتأرجحة بين خطرين، داخلي وخارجي، وكلاهما مرّ، ويتمثّلان بالانتخابات الرئاسية وصراع الحزبين اللذين انطلاقا من سابقة اجتياح الكابيتول، وصولًا إلى احتجاز ترامب وملاحقته، ما انعكس تراجعًا للدور الأميركي في موازاة قلق داخلي لمجتمع محكوم بتركيبة هشّة وسياسة خارجية فضحت عقم الحلف الأطلسي مقابل قوة روسيا ودور الصين المتنامي ونجاح الجمهورية الإسلامية في إيران بفرض نفسها ودورها من خليج هزمز وباب المندب، امتدادًا لفنزويلا مرورًا بدمشق وبيروت وبحرها المتوسط، إلى اليمن بوابة النفط، والعراق حديقتها الخلفية، وصولًا إلى حُسن الجوار مع تركيا التي تنازع هويتها بين الدور والحجم.
هذا قبل اتفاق بكين، والصفعة المدوّية على وجه السياسة الغربية، حيت امتدت يد الصداقة من إيران إلى السعودية بهرميتها الخليجية وموقعها، ولم تبقَ مجرّد اتفاقات متفرقة، بل تحوّلت سياسة انتهجت فيها المملكة طريق حلّ مشاكل المنطقة والانفتاح على الدول العربية ومساعدتها في إعادة النهوض بما يخدم الأمة العربية ودول المنطقة وشعوبها، معتمدة سياسة صامتة مع كثير من الأفعال، مصحوبة بـ”إعلان جديد” عن احترام خيارات الشعوب وفق ميزان عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأوطان، دون تركها أسيرة أزمات كما يحصل في لبنان والدور السعودي الذي أعاد الزخم لحلّ الملفات اللبنانية العالقة، في موازاة دور كبير فرضته المملكة داخل الجامعة العربية من أجل إعادة سوريا إليها. كما عبرّت الرياض أنها لن توفر جهدًا لإعادة مدّ جسور الأخوّة مع الجمهورية العربية السورية التي استقبلت وزير خارجية المملكة بصفته مبعوثًا خاصًا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ناقلًا تحيات المملكة للقيادة السورية، ومؤكدًا على ضرورة التعاون والتكامل بين الدول العربية لمساعدة سوريا وحماية وحدة أراضيها، وهذا موقف يسجَّل للسعودية نُقل على لسان سفير المملكة في الأردن، خلال تسليمه الرئيس الأسد دعوة حضور قمّة جدة الطارئة.
وعلى صعيد آخر، كان الوضع العربي عمومًا واللبناني خصوصًا، محور اتصال بين وزيرَي خارجية السعودية وإيران. وأكّدت مصادر دبلوماسية رفيعة أن الاتصال كلَّل مفاوضات طويلة أدّت لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران ومصر، تمهيدًا لفتح السفارات بدور سعودي، وكشفت المصادر أن المحور الثاني من الاتصال خُصّص للملف اللبناني وضرورة إيجاد حلّ له. ونقلت المصادر ذاتها أن الملف اللبناني سيكون موضوع متابعة، بحيث يُعطي الأهمية اللازمة على هامش اجتماع القمّة التي ستحضرها الجمهورية الإسلامية الإيرانية كضيف شرف، فيما يُتوقع أن يكون نجمها الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي هذا الإطار، نقل مقرّبون من السفارة السعودية في لبنان، انزعاج المملكة من بعض الدول التي تحاول التدخّل في الملف اللبناني، وطرح أسماء مرشّحة للرئاسة، بهدف حجز مكانة سياسية لها على حساب لبنان ودور المملكة وتعاونها مع إيران بمساعدة من سوريا، مشيرين إلى تأييد المملكة، والدور الفرنسي الذي انبثق عن الخماسية الدولية، هو لصالح لبنان. كما نُقل عن مصدر رفيع في القيادة السعودية أن المملكة جادّة بقرارها فرض عقوبات على أفرقاء داخليين في لبنان يعملون على تعطيل أي اتفاق حول حلّ للملف الرئاسي، ويسهمون في إغراق البلد وشعبه في مزيد من الأزمات.
أمام هذا، فإن الملف اللبناني أُدخل ثلاجة الانتظار حتى انعقاد قمّة جدة، حيث سيكون لبنان طبقًا على مائدة الحلول وفق المقاربة الفرنسية المستندة إلى ضوء أخضر أميركي – غربي، يستعجل الحلّ لتلافي تداعيات الفراغ في المصرف المركزي، إذ إن الفرصة متاحة لهذا الفريق لمحاولة إيصال جهاد أزعور إلى حاكمية المصرف ليتابع مشوار رياض سلامة، وإغراق الاقتصاد اللبناني بمزيد من المديونية، وفق سياسات الغرب المعتمدة في كل مكان.