قبل الدخول في مناقشة ملف النزوح وأعبائه، لا بد من الإشارة إلى أن لبنان لم يوقع على اتفاقية النزوح لعام 1951، وبالتالي، فإن لبنان ليس بلد نزوح، وملف النزوح فيه يجب أن يعالج وفقًا للقوانين اللبنانية والدستور، وليس وفق أهواء المنظمات الدولية وقرارات المجتمع الدولي.
بعد فتح ملف النازحين السوريين خلال الأسابيع الماضية تقدّمت المنظمة الدولية لرعاية النازحين بطلب من الحكومة اللبنانية بواسطة الأمن العام اللبناني، لمنح مليون وستمائة ألف نازح سوري الإقامة المؤقتة في لبنان، ما يضمن لهم إضافة للإقامة، العمل والطبابة والتعليم والاندماج بالمجتمع، متجاهلة طلبات الحكومة اللبنانية تسليمها داتا المعلومات وفق ما تقتضي الأنظمة المرعية الإجراء في لبنان.
ولم تُظهر هذه المنظمة أي اهتمام لما آلت إليه أحوال المواطنين اللبنانيين، ولم تهز مشاعرها جثث لا تزال في البحر، ومشردون في أصقاع الأرض يتسولون لقمة العيش ويتوسلون المأوى، وكأن القدر كتب على اللبناني أن يعاني من صعاب الحياة وجشع السلطة الحاكمة وفسادها، الذي أغرق الوطن بمخاطر جمة أكبرها ملف النزوح السوري، وما يتركه من آثار سلبية على البئية الاجتماعية والبنية الاقتصادية وعلى الحياة الصحية، وإنهاك قطاع التعليم، دون أن ننسى الملف الأمني والارتكابات التي يمارسها أفراد من النازحين، ما رفع معدّل الجريمة في لبنان أضعافًا مضاعفة، فنادرًا ما يخلو ملف جنائي من وجود نازحين متورطين بجرائم تتجاوز الحدود أحيانًا.
يتزامن كل هذا مع دعوات من قيادات المعارضة السورية في الخارج لتسليح السوريين في لبنان، بالتواطوء مع بعض الداخل اللبناني، إذ تتنوع مستويات تورّط بعض الأطراف اللبنانيين بين منتفع إلى متعامل دون أن ننسى المراهن على دور لا يزال المجتمع الدولي يصرّ عليه لأهداف داخل سوريا. يدفع لبنان ثمن هذه الرهانات وهو في الأساس عاجز عن تحمّلها. وبحسب البنك الدولي، فإن تداعيات النزوح السوري على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان من عام 2012 وحتى 2014، تُرجمت بشكل خسائر للاقتصاد اللبناني بلغت ما يقارب 7.5 مليار دولار أميركي، علمًا أن عدد النازحين السوريين حتى نهاية العام 2013 كان بحدود نصف مليون نازح. وتنقل تقارير إقتصادية رسمية أنه بين 2015 و2019، وبعد قرار الحكومة اللبنانية في تشرين الأول 2014 بوقف تسجيل النازحين السوريين، استقرت الأعداد على مليون ونصف مليون نازح، في حين أن العدد التقديري يقارب الثلاثة ملايين نازح، أكلافهم المباشرة على الاقتصاد اللبناني تتجاوز عشرات مليارات الدولارات.
أما المرحلة الأصعب فهي التي تلت حراك 17 تشرين الاول 2019، ودخول لبنان مرحلة الانهيار الكبير، إذ تفاقمت خسائر لبنان على كل المستويات توازيًّا مع انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي. وهنا، يجب احتساب أثر النزوح السوري في المرحلة الثالثة كحد أدنى للأكلاف المسجلة منذ نهاية العام 2019 نتيجة للانهيار الحاصل، تاركة نتائج منها مباشرة ومنها غير مباشرة.
وهنا، سنكتفي بالأسباب المباشرة، ونترك الأسباب غير المباشرة وارقامها لمقالة تالية:
- ارتفاع نسبة البطالة 35%.
- خسارة الترانزيت (معبر نصيب).
- تراجع الصادرات بنسبة 30 %.
- تهريب البضائع المدعومة.
- ارتفاع نسبة الجريمة 30% وزيادة انشطة الخلايا الإرهابية.
- الكلفة الأمنية فاقت 10 مليارات دولار أميركي منذ بداية الأزمة.
- ارتفاع الكثافة السكانية (الأعلى في العالم) إلى 600 شخص في الكيلومتر المربع الواحد.
- حاجة لبنان لأكثر من 4 مليارات دولار لإعادة البنى التحتية إلى ما كانت عليه قبل الحرب السورية.
- خسارة كبيرة ناشئة عن انخفاض معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي يتراوح بين 10 و15 مليار دولار أميركي.
- هجرة الأدمغة.
ناهيك عن عدم تكليف السوريين في لبنان بأي ضريبة أو رسم، فهل مَن يسمع؟ ولماذا لم يتم اللجوء إلى القضاء المحلي في وجه كل من ساهم واستقبل ولا يزال يتهرّب من تحمّل المسؤولية؟