السعودية ترفض حرب السودان: لا نريد يمناً آخر!

على وقع التمديد المتكرر للهدنة بين الجيش السوداني، و”قوات الدعم السريع”، من ناحية، واستمرار خروقات الطرفين المتحاربين لها مراراً وتكراراً، من ناحية ثانية، جاء إعلان قيادة المؤسسة العسكرية السودانية، أمس، موافقتها على مبادرة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” لتمديد الهدنة المُعلنة سبعة أيام. وأعرب الجيش السوداني، في بيان، دعمه مقترح المنظمة الافريقية، ذات الباع الطويل في العمل الدبلوماسي داخل السودان، والتي تضم إلى جانب الأخير، كلاًّ من كينيا وجيبوتي وأوغندا والصومال وإثيوبيا وجنوب السودان وإريتريا، معلناً عدم ممانعته عقد جلسات حوار لحل الأزمة، برعاية المنظمة، مع قيادة “قوات الدعم السريع”. كذلك، أبدى الجيش السوداني حرصه على “مبدأ الحلول الأفريقية” لقضايا بلاده، و”مراعاة لجوانب الإنسانية” لمواطنيه، مثنياً على ما أسماها “المبادرة الأميركية السعودية الجارية” على هذا الصعيد.

مشهد إجلاء الرعايا والدبلوماسيين خلال الأيام الماضية، أعطى مؤشراً حول امكان انزلاق الأمور إلى ما هو أسوأ. هنا تحركت جهود الدبلوماسية السعودية للدخول على خط صراع البرهان – حميدتي، لا سيما أن الرياض تعد أحد أهم المستثمرين في السودان، خصوصاً في القطاع الزراعي. في هذا السياق، لم يكن مستغرباً تلك النبرة الإيجابية التي خرج بها بيان الجيش السوداني الأخير حيال الجهود الدبلوماسية الجارية، بخاصة السعودية، وهي أحد أطراف المجموعة “الرباعية” المعنية بترتيب أوضاع السلطة الانتقالية في السودان وتكريس حكم مدني، وهي المجموعة التي تضمها إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات.

ولشرح حقيقة الموقف السعودي من حرب اليمن، تكشف مصادر غربية أن المملكة تفاجأت بتفجّر الصراع بين قائد الجيش السوداني، وقائد “قوات الدعم السريع”، على هذا النحو، معتبرة أن حرب السودان تختبر مدى جدية الدول الخليجية في اتباع نهج أكثر دقة في الحكم وصنع القرار، بخاصة على مستوى السياسة الخارجية، وذلك بعد أعوام من دعم الحملات العسكرية “الساخنة” في دول الشرق الأوسط، كسوريا، واليمن. وتشرح المصادر أن الاشتباكات في السودان وقعت في توقيت سيئ، بالنسبة للسعوديين، في ضوء توجههم لبناء مشروعات تنموية على منطقة البحر الأحمر، من ضمنها مشروع مدينة “نيوم”، بتكلفة اجمالية تقدر بنحو 500 مليار دولار. وقبل أيام قليلة من التصعيد في السودان، أعلنت الرياض عزمها تأسيس منطقتين اقتصاديتين في تلك المنطقة.

ولفهم الحرص السعودي على البقاء على مسافة واحدة من الرجلين، يوضح كبير الاستشاريين في منظمة Soufan Group للبحوث، كين كاتزمان أنّ “آخر ما تحتاج إليه دول الخليج، هو الانزلاق نحو التصعيد في السودان”. بدورها، تكشف المستشارة السابقة للمبعوث الأميركي الخاص بالسودان جاكلين بيرنز أنّ “الرياض ترغب على الأرجح، في رؤية القوى العسكرية المختلفة موحدة، تحت قيادة الجيش السوداني، وهو الأمر الذي يجعلها أقرب إلى تبني موقف البرهان، ومصر، الداعم الأبرز له”، مضيفة أن السعودية في الوقت نفسه “تنتهج استراتيجية التحوّط تجاه حميدتي”.

وبخصوص دور الوساطة الذي تنشده الرياض لوضع حد للحرب في #السودان ، يتوقف الباحث المتخصص في الشؤون الافريقية في “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”، عند الدور المنوط بسفير السعودية في الخرطوم علي حسن جعفر على هذا الصعيد، معتبراً أنه “يمكن للسعوديين الاعتماد على شخص ما يملك علاقات مع مختلف الأفرقاء السودانيين”، للدلالة على مهاراته الدبلوماسية. يتقاطع الكلام عن المحادثات التي يجريها جعفر مع أفرقاء الصراع السودانيين، مع تقارير إعلامية بشأن وساطة تدفع بها الرياض، بدعم أميركي، لعقد محادثات بين #البرهان و #حميدتي في العاصمة السعودية خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ولم تخفِ الرياض جدية مساعيها، حين صرّحت على لسان سفيرها في المملكة المتحدة خالد بن بندر، بأنّه “لا تنقص منطقة الشرق الأوسط المزيد من الصراعات المسلحة”، مشدّداً على أنّ المنطقة اكتفت من الحروب.

وعن أسباب تفضيل #السعودية للنهج الدبلوماسي بدلاً من التصعيد، يرى المحلل في منظمة Verisk Maplecroft لتقييم وإدارة المخاطر، توربجورن سولفيدت أن “الرياض، على ما يبدو، تعلمت حدود سياستها الخارجية العنيفة والعدوانية في اليمن”، مضيفاً أنّ هذا “التحول نحو النهج (الدبلوماسي) الحذر، إنما يعود إلى الدروس المستفادة من التدخل الفاشل في اليمن”. ويتابع أن إخفاق السعودية في “دحر النفوذ الإيراني في المنطقة، دفعها إلى تبني مواقف أكثر تصالحية” على صعيد قضايا المنطقة.

اساسيالسعوديةالسودان