في هذه المرحلة التي تكثر فيها اشكال الازمات المتجددة بين قطاع وقطاع آخر، وفي ظل الفجوات السياسية وغياب الدولة بكافة شخصياتها الرسمية والمعنوية، تتأرجح أيضًا الحلول المؤقتة بين الحلول الرسمية والحلول غير الرسمية. وتأتي البطاقة التمويلية كسبيل انقاذ من الحالة الاكثر سوءاً الى الحالة السيئة، ولكن هي بدورها تتخبط بأصناف من الأزمات وفي مقدمها عدم توفر وسائل التمويل لها، فقد تقسمت موارد التمويل لثلاث جهات، أهمها الدعم الدولي المتمثل بالبنك الدولي اولاً والاتحاد الاوروبي وبعض الدول الكبرى، ولكن لن يتجاوز حجم الدعم ٢٥٠ مليون دولار وذلك مرهون حتى الآن بأمرين : الاول تشكيل حكومة وطنية تصارح المجتمع الدولي وتشجعه على الدعم من خلال إبعاد التمثيل الحزبي الذي تعتبره سببًا للفساد والنهب وانهيار القطاع المصرفي والمالي في لبنان، فإذا أرادت الحكومة التي ليس لها أفق تشكيل حتى الآن، اذا ارادت ان تجذب انظار الثقة الدولية فعليها تقديم برنامج مكافح للفساد من خلال الحوكمة والحكم الرشيد والشفافية وفق النموذج الدولي، وهذا ليس بالأمر السهل بين طبقة سياسية جل ما تملكه هو الغموض والتلاعب على الدساتير والقوانين لاخفاء الجرائم المالية والصفقات، فكيف لحكومة تعيد انتاج السلطة ان تحقق الشفافية وتجذب الثقة الدولية نحوها؟ وأما الامر الثاني الذي يعيق توفير الدعم الدولي للبطاقة التمويلية فهو غياب المكننة المحلية والاحصائية، فمن غير المعلوم لدى احد الرقم الحقيقي للعائلات الاكثر فقراً وسبل وآليات التواصل معها؛ ففي لبنان ليس هناك تنظيم مدني حقيقي وبالتالي كيف يمكن ان توفير تنظيم الكتروني للعائلات يبين عددها وتصنيفها الاجتماعي والاقتصادي، وقد تخبطت الارقام بين ٢٥٠ الف عائلة و750 الف و900 ألف وصولاً الى ١.٢٠٠ الف عائلة دون تحديد المعايير ولو تحددت سنعود لازمة التصنيف مجددًا.
إلا أن البطاقة التمويلية تبقى اذا تحققت املاً ومنقذاً لمعالجة بعض حالات رفع الدعم لا سيما على المواد الاستهلاكية وموارد الطاقة التي لم يعتد اللبناني على اسعارها التي قضت عقوداً في ظل الدعم من قبل المصرف المركزي.
ولكن القطاع الاكثر تضررًا من مسألة رفع الدعم هو القطاع الصحي والطبي وخاصة الادوية التي تحمل أسعارًا خيالية اذا ما رفع الدعم عنها. هنا يأتي السؤال ما هو مصير الجهات الضامنة؟ فاللبناني اعتاد على وجود وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكذلك التعاونية للعسكريين، ولكن هذه الجهات من أين وكيف سيتم دعمها حتى تقوم بدورها الضامن؟ واذا ما توفرت البطاقة التمويلية بعد عملية الاحصاء الجدية والدقيقة وبعد تشكيل حكومة الثقة الدولية وبعد تمويلها من البنك الدول والاتحاد الاوروبي وتوفرت البطاقة بين ايدي العائلات اللبنانية، نسال ما هو مدى الفعالية الاستشفائية للبطاقة لا سيما اذا غرقت الجهات الضامنة بعد تعويم المواطن، وخاصة بعدما تجاوز الدولار الواحد ال ١٨،٠٠٠ ليرة لبنانية، وهي تأخذ الاشتراكات والمستحقات على سعر صرف ١،٥٠٠ ليرة وهذا يعني اننا امام سيناريوهين: الاول أن تعلن الهيئات الضامنة عجزها عن خدمة المواطنين وبالتالي افلاسها واغلاق صناديقها امام كل الحالات المرضية او اغلبها وخاصة التي الحالات التي تحتاج مبالغ بالدولار لشراء أدويتها من الخارج وهذا حال ٩٠٪ من الادوية والمعدات واللوازم الطبية والاستشفائية، أو ترفع رسم الاشتراكات للجهات التي تقبض شهريًا من المنضوين تحت نظامها، وانشاء صناديق للافراد الذين هم غير منضوين في صندوق الضمان والتعاونية من خلال انشاء عملية دفع اشتراكات في صندوق وزارة الصحة، وكل اشتراكات هذه الصناديق ستكون بالعملة الاجنبية (دولار) وذلك بعد تمويل المواطن من خلال البطاقة التمويلية التي بدورها ستدفع بالدولار (الفرش) لصالح المسحقين لمنع تفاقم عملية التضخم في العملة المحلية.
هذا الامر شاق جدًا وطويل جدًا ولكن مسار الانهيار ليس طويلًا بل يتسارع، وصحيح ان الالتفات له قبل فوات الاوان امر مكلف جدًا لكن الالتفات له بعد فوات الاوان سيكون اكثر كلفة اذا ما قلنا اننا وصلنا لوقت لن ينفع فيه الندم.