تعد العلاقات الإيرانية – السورية نموذجًا متقدمًا ومتميزًا للعلاقات الإستراتيجية بين الدول، وبات من الواضح أن التحديات المصيرية التي واجهت هذه العلاقات، زادتها متانةً وعمقًا، إذ لم تستطع كل العقبات التي إعترضتها أن تحد من قوتها وفعاليتها، بل على العكس كانت دافعًا لنموها وتطورها وتوسعها في كافة الميادين.
وفي هذا السياق شكلت الأزمة السورية التي إنطلقت عام 2011 نقطة تحول مهمة في مجال الدعم الإيراني لسوريا، حيث أدركت إيران حجم المؤامرة العظمى التي تعرضت لها سوريا، فكان الدعم الإيراني بكل أشكاله حاضرًا وبقوة، لا سيما على المستوى الإقتصادي كما على المستوى المالي والعسكري والسياسي، ومع تطور العلاقات بين البلدين وعلى الرغم من أهمية الإعتبارات السياسية بينهما بحكم أنها المحرك الأساسي، إلا أن المصالح الإقتصادية تلعب اليوم الدور الأكبر، أكثر من أي وقت مضى.
بدأت العلاقات الإقتصادية بين إيران وسوريا نهاية ستينات القرن الماضي والنصف الأول من سبعينياته، حيث وقعت أول إتفاقية بين البلدين في21 آب 1960، تلتها إتفاقية أخرى في تموز 1974، أسفر عنها منح إيران لسوريا قرض بقيمة 150 مليون دولار تبعه مجموعة قروض أخرى حينها.
تطورت العلاقات الإقتصادية بين الطرفين بشكل كبير بعد قيام الثورة الإيرانية، حيث زار وفد سوري رفيع المستوى طهران في عام 1982، في سبيل تطوير مجالات العمل السياسي والإقتصادي، وأبرم الطرفان مجموعة من الإتفاقيات النفطية والتجارية لتكون الأولى من نوعها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية.
استمر التعاون الإقتصادي بين البلدين، وتم توقيع العديد من الإتفاقيات لا سيما في مجال البحوث الزراعية والتكنولوجيا وتبادل السلع الزراعية ، ومجال الأدوية حيث كان قطاع الأدوية السوري يغطي 90% من الحاجة المحلية ويصدر إلى 54 دولة حول العالم، بالإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة عبر تعزيز إيران لإمدادات الغاز لسوريا عبر مشروع “الأنبوب الإسلامي” الذي يصل إيران وسوريا والعراق ويغطي إحتياجاتهما من الغاز الإيراني والمقدر بـ30.25 مليون متر مكعب يوميًا، فضلًا عن قطاع الإتصالات حيث منحت إيران رخصة تشغيل الهاتف المحمول الثالث في سوريا على أن يبلغ حجم الإستثمار نحو 300 مليون دولار.
شهدت العلاقات الإقتصادية بين دمشق وطهران تطورًا كبيرًا خلال الأزمة السورية عام 2011 وبعدها، وكان أبرز أوجه هذا التطور تصديق مجلس الشورى الإيراني لإتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة بين سوريا وإيران في 25/01/2012 والتي تضمنت بنود عديدة أهمها تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية بين البلدين على البضائع المستوردة، وتشجيع حركة رؤوس الأموال والإٍستثمارت، وسهولة الوصول للأسواق ومصادرالمواد الأولية، ومواجهة التحديات والعقوبات الإقتصادية المفروضة على البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم بيع النفط الإيراني بالعملة السورية دعمًا لها خلال الأزمة وللحد من إنهيارها أمام الدولار، فضلًا عن إلغاء تأشيرات الدخول والخروج بين البلدين، وتحرير الأسواق التجارية بينهما وتشجيع الإستثمارت،يضاف إلى ذلك التعاون الحاصل على المستوى الصحي والطبي والمحاولات القائمة لرفع مستواه بشكل كبير.
وتجدر الإِشارة أنه تم في عام 2013 توقيع إتفاقية بين البلدين تتيح لدمشق الإقتراض من إيران حتى سقف المليار دولار وذلك بفوائد ميسرة، وهي إتفاقية “خط التسهيل الإئتماني” لتلبية الإحتياجات الأساسية للحكومة السورية.
وعلى صعيد مستقبل العلاقات الإقتصادية بين البلدين، فقد أبدت إيران وعبر سفيرها في دمشق، إستعدادها المتجدد للوقوف إلى جانب سوريا في عملية إعادة الإعمار حتى تعود سوريا أفضل مما كانت عليه قبل الأزمة، فضلًا عن السعي المستمر لتعزيز مجالات التعاون في قطاعات الطاقة والزراعة والإتصالات والعقارات والهندسة وغيرها، نظرًا لوجود رغبة لدى الشعبين في تمتين العلاقات الإقتصادية والتجارية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك فإن المنتجات السورية الزراعية ومنتجات النسيج والغزل تشكل صادرات مهمة من سوريا لإيران.
بات من الواضح إذًا أن مستقبل العلاقات الإقتصادية بين الطرفين قابل للتطور والوصول إلى درجات متقدمة جدًا من التعاون والتنسيق ومواجهة التحديات لا سيما المشروع الصهيو-أميركي والشرق الأوسط الجديد، كما ان تفعيل وتوسيع مجالات التعاون الإقتصادي بين الطرفين سيساهم في ترسيخ وتمتين مقومات الشراكة بينهما لتصل إلى المستوى المطلوب.