بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم تكن بعد واضحة معالم مستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ذلك في ظل عداء دولي ضخم وفي ظل وضع أمني داخلي متفجر، خاصةً وأن الجمهورية الإسلامية رفعت لواء المستضعفين في العالم ومحاربة الولايات المتحدة الأميركية “أميركا الشيطان الأكبر”، والكيان المؤقت بشكل خاص “يجب أن تزول إسرائيل من الوجود”.
وأمام هذه الشعارات التي ترجمت عمليًا على أرض الواقع بدعم الجمهورية لحركات المقاومة في مختلف أنحاء المنطقة لمواجهة أشكال الاحتلال المتعددة، وفي ظل تحريض غربي على إيران بهدف منع أي دولة من إقامة علاقة مع النظام الجديد، كان للجمهورية العربية السورية رأي آخر.
لطالما كانت سوريا سبّاقةً في رفض أي استعمار واحتلال لدول المنطقة، وكانت ولا زالت في مقدمة أي جبهة لمواجهة المخططات الصهيونية. فمع وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سدة الحكم، اختلفت النظرة السورية الخارجية، ورأت بأن ما تشهده المنطقة من حروب ومشاكل، منبعها الأطماع الغربية والمتجسّدة بالكيان المؤقت الذي سيطر في تلك المرحلة على عدد من الأراضي العربية ومنها السورية- الجولان.
ولما شكّلته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من حاضنة لحركات المقاومة والتحرر، وجبهة جديدة في وجه العدو الإسرائيلي، التقت الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإيرانية تحت هذا العنوان وأظهرت سني الحرب والسلم التي تلت، معدن هذا الالتقاء ودوافعه، عكس كثير مما قال بأن المصلحة السورية اقتضت في ظل نزاع مع النظام البعثي العراقي والنزاع مع “إسرائيل” وغيرها من الأسباب، التوجه نحو إيران كملاذ أخير للنظام السوري.
من هنا كانت بداية التأسيس لجبهة مقاومة برعاية دولاتية (إيرانية- سورية) في ظل تخاذل عربي وتواطئ غربي على مقدرات ومصالح الأمة، وهو ما عزز بشكل كبير تنامي وتطور حركات المقاومة في المنطقة، وكما لإيران الدور الكبير في إعادة بث الأمل في نفوس المستضعفين وما شكلته من مصدر أساسي لوجستيًا للمقاومين، كانت سوريا بالإضافة لمواقفها السياسية وما قدّمته أيضًا من مساعدات نوعية، كانت هي المعبر الأساسي لما كان يصل إلى أيدي المقاومين، وحتى اليوم ما زال هذا المعبر رغم العديد من المتغيرات واستهدافات- ما زال قائمًا وراسخًا.
وللإضاءة على أهمية الدور السوري في دعم المقاومة في المنطقة، استعرض مركز دراسات غرب آسيا وبشكل كرونولوجي أبرز المحطات الهامة الدالة على ذلك:
القضية الفلسطينية في رؤية الرئيس حافظ الأسد (1966-1985)
منذ أن كان الرئيس الراحل حافظ الأسد وزيرًا للدفاع، برز اهتمامه بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، وذلك عبر ما قدمه من دعم لمقاومين الفلسطينيين، إذ كانت رؤيته للقضية الفلسطينية وكيفية معالجتها، في ضرورة العمل المقاوم لطرد المحتل، فخلال فترة توليه منصب وزارة الدفاع فتح العديد من الثكنات العسكرية السورية للفلسطينيين والتي تخرج منها قيادات من الطراز الرفيع وكان أبرزهم قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد جبريل، والذي يذكر في مذكراته فضل القيادة السورية آنذاك والمتمثلة بشخص حافظ الأسد في تقديم كل الدعم المقدور عليه في سبيل مقاومة العدو.
وبعد وصول الرئيس حافظ الأسد إلى سدة الرئاسة، استمر الدعم السوري للمقاومين الفلسطينيين، ففي عام 1971 قدّمت القيادة السورية لصلا خلف أبو إياد، معسكرًا في منطقة الهامة في ريف دمشق لتدريب الفدائيين بعد خروجهم من الأردن بعد أزمة أيلول الأسود.
ولطالما سعى الرئيس الراحل خلال تلك المرحلة، في إبعاد كل ما قد يقف عائقاً أمام القضية الفلسطينية المحقة، وأبرزها الصراعات العربية التي كلفت ما كلفت القضية وفصائل المقاومة من معرقلات أخّرت بشكل كبير أي تقدم لها وأغرقتها في مستنقع حروبها الداخلية وأزماتها.
وبالرغم من كل الاختلافات في وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية وبينها وبين القيادة السورية، إلا أن الدعم السوري لها لم يقف، إيماناً منها – الجمهورية العربية السورية – بأن مسار المقاومة هو ركيزة الدفاع عن الأمة العربية.
ولأن الدعم السوري للفصائل الفلسطينية، لا أطر له أو شروط، فإن الاختلاف بين منطلقات الفصائل الفلسطينية لم يكن عائقًا أمام الدعم السوري، ففي أوائل الثمانينات، انطلقت حركة “الجهاد الإسلامي”، والتي تعد حركةً دينية، وبالرغم من ذلك ظلّ الدعم السوري حاضرًا، بل زاد ما شكلّ آنذاك، تغيراً نوعياً في أسلوب مواجهة العدو الإسرائيلي، وصولاً لنشوء “حركة حماس”، التي لاقت دعمًا وحضنًا سوريًا كان له تأثير كبير على ثباتها في ظل انقسام فلسطيني داخلي وعدوانية إسرائيلية كبيرة تجاهها.
سوريا والمقاومة في لبنان (1982-2000)
وكما الحال مع الفصائل الفلسطينية، فكان لانطلاقة حزب الله في لبنان ترحيب كبير من القيادة السورية، التي قدمت الدعم الكبير أيضاً له، من خلال المواقف السياسية والدعم العسكري بالتنسيق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتثبت مجددًا حرصها على استقامة الصراع مع الكيان المؤقت. وكان لهذا الدعم السوري الكبير للمقاومة في لبنان، أثر هام في ازدياد عمليات المقاومة وتطورها علة المستوى النوعي والكمي، ولطالما شكرت قيادة حزب الله في مختلف المناسبات، سوريا على دورها الداعم وأبرزها خلال خطاب “بيت العنكبوت”، الذي أكد خلاله أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، دور سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد في دعم حزب الله ولبنان في دحر العدو الإسرائيلي.
كلمة ألقاها السيد حسن نصر الله إبّان رحيل الرئيس حافظ الأسد، قال فيها: “نحن نفهم قيمة هذا الرجل في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال هذه التجربة، ونحن في العشرين سنة نقدّر ما فعله هذا الرجل لمشروع المقاومة في المنطقة والصمود”.
ومن خلال كلام أمين عام حزب الله، وما يمثله الحزب اليوم من رأس حربة في الصراع مع العدة، يُفهم موقع سوريا المتقدم في الصراع العربي- الإسرائيلي، ودورها الريادي في دعم حركات المقاومة في المنطقة.
بشار الأسد.. المقاوم على خطى أبيه (2000- حتى اليوم)
لم تغيّر وفاة الرئيس حافظ الأسد، سياسة الجمهورية السورية في دعم حركات المقاومة في المنطقة، بل ازداد حجم الدعم، فمع وصول الرئيس بشار الأسد، وفي ظل رهان دولي على تراخٍ من قبله مقابل ما كان عليه أبيه من مواقف داعمة للمقاومة، أثبت الرئيس بشار الأسد في العديد من محطات رئاسته وحتى اليوم، وقوف دولته، حكومةً وشعبًا جنبًا إلى جنب مع المقاومة، بل ازداد حجم الدعم على مختلف الصعد ومن أبرز المحطات:
• حرب تموز 2006:
– احتضان اللبنانيين المهجرين بسبب الحرب.
– تقديم الدعم المادي الكبير للبنانيين.
– فتح الحدود السورية على مصرعيها لإيصال كل ما تحتاجه المقاومة في لبنان من سلاح وعتاد.
– الدعم السياسي الكبير في المحافل الدولية.
حتى اليوم، يعد النظام السوري، الحليف الأساسي لحزب الله في لبنان، ولا زال التنسيق بينهما عالي المستوى، نتيجة التفاهم والاتفاق والحرص على بقاء المقاومة وضرورتها إلى حين الانتهاء من الكيان المؤقت.
• دعم القضية الفلسطينية:
في كل حدث أو مناسبة مرتبطة بالقضية الفلسطينية، تؤكد الجمهورية السورية عبر مسؤوليها وقائدها الرئيس بشار الأسد، موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة، وهو موقف سياسي هام في ظل كل ما حاكه ويحيكه الغرب، وإزاء هذه المواقف يجري الضغط على سوريا بشكل كبير من خلال عقوبات وحرب وقطيعة دولية بالإضافة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وبالرغم منها جميعها، ظل الموقف السوري على حاله ثابتاً من القضية وضرورة المقاومة.