العلاقات السورية الإيرانية.. تاريخ وحاضر ومستقبل

ليست العلاقة الإيرانية – السورية وليدة السنوات الأخيرة الماضية، بل هي علاقة تاريخية بدأت منذ العام ١٩٨٠، جمعتها المقاومة ومحاربة الكيان الإسرائيلي والمخططات الأمريكية والتبعية وتأييد الشعب الفلسطيني والمستضعفين حول العالم رغم الاختلافات الأيديولوجية في شكل الحكم والتنوّع المذهبي. لقد أثبتت هذه العلاقة المزيد من التضامن والدعم في مواجهة الشر الأمريكي بعد دعم إيران لنظام الرئيس الأسد ضد الحرب الكونية التي مورست عليه في العام ٢٠١١.

تستعرض الورقة أدناه، الصادرة عن مركز الاتّحاد للأبحاث والتطوير، مراحل العلاقات السورية الإيرانية وأبرز محطاتها، إضافة إلى قراءة موجزة في عمق العلاقة ومستقبلها.

في ظل حكم الشاه محمد رضا بهلوي، طوال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كانت العلاقة بين القومية العربية السورية والقومية الفارسية يجمعها التصادم السياسي. لكن الحال بدأ بالتحسّن في منتصف السبعينيات، خاصّة في المجال الاقتصادي حيث وُقّع اتفاق اقتصادي بين البلدين في العام ١٩٧٤، تُوج بزيارة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى طهران في كانون الأول من العام ١٩٧٥.

في أيلول من العام ١٩٧٨، بعد انتصار الثورة الإسلامية في #ايران ، انضمت كل من إيران وسوريا إلى جانب ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى محور رفض اتفاقيات كامب ديفيد، بين مصر والكيان المؤقت والولايات المتحدة. أما النقطة الأكثر تأثيرًا فكانت الغزو العراقي لإيران في خريف العام ١٩٨٠ حين أغلقت سوريا أنبوب النفط العراقي كركوك- بانياس وحرمت العراق من موارده المالية، مقابل النفط الإيراني الرخيص. بنت سوريا بعدها قناة تحاور غير مباشر بين دول الخليج وإيران، بينما شكّلت الأخيرة بديلًا عن مصر بالنسبة لسوريا. وعليه، افتتحت إيران أول مركز ثقافي لها في سوريا في ضاحية المزة في العاصمة دمشق، ثم نُقل إلى قلب دمشق قبالة ميدان الشهداء بالتنسيق مع الجامعات السورية.

توضحت بعدها الرؤى وتبلورت ملامح التحالف المقاوم في التسعينيات وحتى عام ٢٠٠٠ مع التفهّم الإيراني لمواقف #سوريا لاستعادة أرض #الجولان والثبات السوري على التمسّك بالقضية الفلسطينية ورفض التطبيع في مؤتمر مدريد لـ” السلام” في العام ١٩٩٣. وعليه، بقيت سوريا طرفًا أساسًا في الصراع العربي-الإسرائيلي. وقد زار الرئيس السوري حافظ الأسد إيران في الأول من آب ١٩٩٧ والتقى نظيره الإيراني هاشمي رفسنجاني والمرشد الأعلى السيد علي #خامنئي .

ثبتت المحددات والمواجهة المشتركة بين العامين ٢٠٠٠ و٢٠١١ مع استمرار التحالف الإيراني-السوري بعد وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في العام ٢٠٠٠ وثبات الرؤى والأهداف والمواقف من عملية التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي. وقد توالت الأحداث وتتابعت بعدها، فقد زار الرئيس بشار #طهران في العام ٢٠٠١ وبدأ تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين وافتُتح أول مركز ثقافي سوري في إيران. وقد وقّع وزيرا الدفاع في كل من سوريا وإيران اتفاقًا للتعاون العسكري ضد ما أسموه «التهديدات المشتركة» التي تشكلها إسرائيل والولايات المتحدة في العام ٢٠٠٦. وقد تكررت الزيارة في العام ٢٠٠٧. وعليه، رُسمت ملامح مكاسب استراتيجية عامة تتجاوز المكاسب الداخلية الضيقة لكلا الطرفين وذلك عبر بناء نفوذ مواجهة المشاريع الأمريكية – الإسرائيلية، لا سيما مشروع الشرق الأوسط الجديد في تفتيت المنطقة وتقسيم دولها، من احتلال العراق في العام ٢٠٠٣ إلى عدوان تموز في العام ٢٠٠٦ وصولًا إلى الحرب على سوريا في العام ٢٠١١.

وقد وُثّق التحالف السوري الإيراني في ظل حرب الإرهاب على سوريا منذ العام ٢٠١١ مع الاستجابة الإيرانية لطلب الدولة السورية في تقديم الدعم اللازم وعلى المستويات كافة، إيمانًا بأهمية الحفاظ على موقع سوريا في التوازنات الإقليمية، وضرورة تقويض مساعي تحجيم دورها الإقليمي. وقد استمر الدعم الإيراني في كل مراحل الحرب على سوريا سواء العسكرية أو السياسية والاقتصادية رغم كل الظروف الصعبة وتداعياتها، وكان التعاون في القضاء العسكري على التنظيم الإرهابي التكفيري، داعش، واستعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية.

وقد كانت السنوات الخاليات مرحلة التحالف ضد الحصار الاقتصادي الأمريكي ومبدأ احترام سيادة الدولة السورية وقرارها ووحدة أراضيها وتعزيز التعاون. أما الحدث الأهم فكان في العام ٢٠٢١ عندما كسر الحصار الأمريكي عن سوريا عبر ناقلات النفط الإيرانية والمواد الغذائية. ذلك بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين عبر الاستثمارات الإيرانية في البنى التحتية السورية ووسائط النقل وتأمين كميات من الغاز الطبيعي الإيراني لسوريا.

في عمق العلاقة ومستقبلها


ما تزال سوريا حتّى اليوم، ورغم كل محاولات المجتمع الدولي والعربي قطف ثمار الصمود السوري، دولة وشعبًا، من بوابة إبعاد سوريا عن حليفها الإيراني، الحليف الاستراتيجي لطهران مع المزيد من الثبات والممانعة والقدرة على تغيير المعادلات في الوقت المناسب. بل إن المحاولات جميعها قد فشلت. فالتجربة على أرض الواقع وفي مختلف الميادين، وعلى مدى أكثر من عقد تشير إلى تماسك هذا التحالف والتمسك بالثوابت المشتركة والتوافق على الصمود في خندق واحد مع الحفاظ على مبدأ عدم التدخل في السياسات الداخلية والقرارات السيادية. وقد سجّلت التطورات الإقليمية أخيرًا وفي طليعتها الاتفاق السعودي الإيراني، نقطة تحول استراتيجية ستظهر تأثيراتها تباعًا في مستقبل دول المنطقة، ويبقى التحالف الثنائي الإيراني السوري نقطة توازن هذا التحوّل التي ستحدد اتجاه التأثيرات ومداها في المنظور غير البعيد.

اساسيايراندمشقسورياطهران
Comments (0)
Add Comment