تعمل قوى المعارضة لإشاعة جو يوحي بتراجع فرنسا عن مباردة توصل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، لكن المعطيات تفيد عكس ذلك، وآخرها اليوم، حيث أفادت المعلومات بأن دوائر قصر الإليزيه لا تزال تتابع عملها بموجب المبادرة الخاصة بلبنان، وتناقش مع المعنيين تعديل بعض النقاط لضمان نجاحها.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر التقت السفير المكلف بتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان، أن فرنسا لا تزال تعتبر فرنجية مرشّحًا وحيدًا لموقع الرئاسة، وهذا ليس رغبة فرنسية بل واقعية فرضتها المعطيات اللبنانية.
وكان المرشح سليمان فرنجية سمع بنفسه من الفرنسيين إشارات إيجابية صادرة من السعودية، تدفع قدمًا باتجاه تطمينات عدة يعمل عليها الفرنسيون، ويأتي طلبُها من بنشعي بهدف طمأنة الرياض التي أبدت مؤخرًا مرونة بموقفها من الملف اللبناني بإعلانها أنها لا تضع فيتو على أحد، كما أنها لا تزكي أي اسم، وتحترم خيار اللبنانيبن برئيس يحمل مشروع إعادة النهوض في لبنان.
وفي ظل هذه التطورات، بدأ فرنجية عمله على خطين:
- خارجي يركز على طمأنة الرياض بشتّى الوسائل لعلمه أن الموقف السعودي مقرر لوصوله إلى قصر بعبدا. فحتى لو تمكّن حزب الله من تأمين الأصوات اللازمة لانتخابه، فهو لن يجازف ليكون عهده مشابهًا لعهد الرئيس السابق ميشال عون. ويراقب الوزير فرنجية التطورات الكبيرة الحاصلة على خط الرياض – طهران وعلى خط الرياض – دمشق، وهي خطوات تعزز حظوظه في الوصول إلى سدّة الرئاسة، وتضمن له عهدًا منتجًا.
- ويعرف رئيس المردة أن عليه ألا يحصر جهوده بالخارج، لذلك يعمل مع حلفائه على ترجمة أي تسوية خارجية باتجاه الداخل، وهو الخط الثاني الذي يعمل عليه من خلال تأمين عدد النواب اللازم لانتخابه، وضمان نصاب الجلسة، معوّلًا على الدور السعودي بإقناع حلفاء الرياض بالقيام باللازم لانتخابه.
كذلك داخليًا، يعمل الوزير فرنجية على ضمانات يقدمها لفرقاء الداخل، بعدما تيقن من رفض رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من انتخابه، والتشدّد في معارضته. إلا أن المفاجئ برز خلال عطلة عيد الفطر، حيث أعطى الوزير باسيل إشارات إيجابية باتجاه الحزب، طالبًا لقاء الأمين العام السيّد حسن نصر الله، وأبدى ترحيبه باستقبال الوزير فرنجية الذي يبذل جهودًا على خط طمأنة القوات اللبنانية، وهو على يقين أنها لن تنتخبه، لكنه يطمح في أن تؤمّن له نصاب جلسة انتخابه بضوء أخضر سعودي.
مصدر قريب من باريس، أكد أن تمسّك الفرنسيين بفرنجية ليس حبًا أو قناعة بمشروعه ورؤيته السياسية والاستراتيجية، إذ تعرف فرنسا أنه جزء من محور تخوض ضده حربًا في أوكرانيا، وقبل ذلك في سوريا، إلا أنه نتيجة مشاورات كثيرة قام بها الفرنسيون أظهرت أن حزب الله ليس بصدد التراجع ولو قيد أنملة في المرحلة الراهنة عن ترشيح فرنجية، وأن الواقع يشير إلى خيارين فرنجية أو فراغ طويل الأمد.
وبالتالي، وصلت معظم الدول الغربية المعنية بالشأن اللبناني إلى قناعة أن الفراغ الحالي لا يؤثر سلبًا على حزب الله، بل يقوّض مفاصل الدولة ويحاصر دوائر القرار، وأن التصدّي للفراغ واجب، وهذا أهم أسباب المبادرة الفرنسية التي توازن بين الأفرقاء حيث للحزب وحلفائه رئاسة الجمهورية، مقابل رئاسة الحكومة لخصومهم.
وانسحبت نقاط المبادرة الفرنسية على منصب حاكمية مصرف لبنان وإدارة ملف النفط، وصولًا إلى مواقع قيادية عسكرية أمنية وقضائية. وعُلم أن الفرنسيين أدخلوا تعديلًا أساسيًا على مبادرتهم بصيغتها الأولى بعدما تبيّن أن السعوديين يفضّلون رئيس الحكومة السابق تمام سلام على السفير نواف سلام، الذي تفضّله باريس، فكان طرح المقايضة بين تمام سلام وسليمان فرنجية، على أن تلحظ التسوية تولي الوزير السابق كميل أبوسليمان لتولي منصب حاكمية مصرف لبنان، وهو مقرّب من حزب القوات اللبنانية. تقاطَع هذا مع رفض الثنائي الوطني لجهاد أزعور في موقع الحاكم.
حتى اللحظة، يعلن نواب القوات أنهم لن يؤمنوا نصاب جلسة انتخاب فرنجية رئيسًا، كما بدا من موقف سمير جعجع الذي ورفع سقف معارضته، عكس التيار الوطني الذي تشير بعض السياقات إلى أنه اقتنع بأن ثمن المعارضة هو الخروج من السلطة لسنوات، فوضع قواعده الشعبية في أجواء ذلك، مستفيدًا من أن حزب الله لا زال يمدّ يده للتيار الذي لم يعد رئيسه بعيدًا من الدخول في التسوية إذا كان يريد قطْع الطريق على تمدد جعجع مسيحيًا على حسابه، داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها، ومراهنًا على أن قرارًا سعوديًا سيصدر قريبًا يُلزم القوات بتأمين نصاب انتخاب فرنجية.