يشكل التعليم الرسمي في لبنان ملفًا بارزًا من الملفات العصيّة على الحل، الواقعة منذ زمن ليس بقريب في دائرة المجادلات والنقاشات العقيمة التي لم يسفر عنها لحد الآن أي حلول جذرية حقيقية.
وكحال كل ملفات وقطاعات الدولة، ما زال قطاع التعليم الرسمي اليوم يعاني وأكثر من أي وقت مضى، من الإهمال والتأجيل والمماطلة، وسياسات المد والجزر والترقيع المستمر التي لعبت دور “المخدر” طيلة كل السنوات الماضية، إلى أن وصل الحال بالمعلم والمواطن إلى حد عدم التأثر بمفاعيله، وباتت الأمور على أرض الواقع أكثر تعقيدًا، والمسؤولية الواقعة على كاهل الدولة “اللا مسؤولة”، أكبر وأثقل وأوسع.
التعليم الرسمي على خط الانهيار، والفساد أبرز الأسباب
شهد تاريخ التعليم الرسمي في لبنان ولا زال صعوبات وتحديات كبيرة، جاءت نتيجة لسياسات الفساد القائم في كل مفاصل الدولة ومنها المرافق التربوية منذ الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. وقد ترافق هذا الأمر مع تحديات وأزمات جديدة اقتصادية وأمنية واجتماعية وصحية جعلت القطاع التربوي يعاني من انهيار كبير لا سيما في الآونة الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، فلبنان البلد الذي كان يتغنى بكوادره التعليمية ومؤسساته وجودة التعليم لديه، بات اليوم يعاني وبشكل واضح من تراجع كبير لقطاعه التعليمي لا سيما التعليم الرسمي، مع توجه الكثير من معلمي وكوادر هذا البلد للهجرة وترك البلاد.
وفي هذا الإطار، فإن انعكاسات هذه الوقائع ظهرت جلية في أحوال المعلمين والأساتذة من جهة، والطلاب وذويهم من جهة أخرى، وقد ترجم ذلك في تردي الأوضاع المعيشية للمعلمين والموظفين وعدم قدرتهم حتى على تحمل تكاليف تنقلهم وحضورهم إلى مراكز التعليم، مما دفعهم إلى تنفيذ الإضراب الذي بدء منذ قرابة الثلاثة أشهر ونصف (في التاسع من شهر كانون الثاني) ولا زال مستمرًّا حتى هذه اللحظة.
ومن جهة أخرى، فقد شكل هذه الواقع مأزقًا وتهديدًا للطلاب ومستقبلهم، حيث أشارت مصادر الأمم المتحدة إلى أن المدارس الرسمية فتحت أبوابها لأقل من 50 يومًا فقط منذ بداية العام الدراسي، بينما غادر 500 ألف طالب وطالبة مقاعد الدراسة منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
بين حقوق المعلمين ومستقبل الطلاب
رغم الإضراب الذي نفذه أساتذة وموظفو القطاع الرسمي منذ أشهر، وكل الضغوطات المتزايدة التي يتعرضون لها من جهات مختلفة، إلا انه لم نشهد اي مبادرة جدية للنظر بأحوالهم والعمل على تحقيق مطالبهم وحقوقهم.
وفي هذا السياق وعلى الرغم من الإضراب المنفذ، وأمام وعود وزير التربية برفع مطالب المعلمين والموظفين في القطاع الرسمي إلى جلسة مجلس الوزراء، فقد عاد التعليم الابتدائي إلى العمل بسنة 90%، أما التعليم الثانوي فنسبة العودة الطبيعية كانت 20% فقط، أما النسبة المتبقية 80% فقد توزعت بين العودة الجزئية واللا عودة.
وتجدر الإشارة أن نسبة الإضراب الأكبر هي في صفوف معلمي التعليم الثانوي الذين امتنعوا عن التعليم، وبالتالي فإن موظفي ومعلمي هذا القطاع ككل، هم بانتظار ما سينتج من قرارات.
وفيما يتعلق بتخليص الدروس والمواد الاختيارية، فالأمر سيطبق فقط على صفوف الشهادات مبدئيًا، على أن يتم عقد اجتماع للبحث في تقليص الدروس في المركز التربوي، وترسل على إثره مسودة الاجتماع والخلاصة إلى وزارة التربية للبحث بها وإصدارها بصورة رسمية.
وبالحديث عن الامتحانات الرسمية ومصير الطلاب، فإن الأمر مرهون كليا بنتائج قرارات مجلس الوزراء، إذ إن رفض التجاوب مع المطالب المحقة سيدفع العاملين بقطاع التعليم الرسمي إلى الإعلان عن انتهاء العام الدراسي وبالتالي فإن الامتحانات الرسمية ستكون أيضًا رهن قرارات الحكومة.
يبقى مستقبل الأساتذة والعاملين في هذا القطاع ومعه مصير طلاب لبنان ومستقبلهم التعليمي، رهن ما ستؤول إليه الأمور في مجلس الوزراء، على أمل أن تضع الحكومة نصب عينبها ولمرة واحدة، إيجاد حلول جذرية لهذا القطاع الذي تآكل من فساد السلطة وسياساتها الفاشلة، وقد دفع كل من المعلم والطالب ولا زالوا، ثمن هذا الفساد والفشل.