التموضع العسكري السعودي بعد الاتفاق مع إيران

نشر مركز غرب آسيا للأبحاث، دراسة حول التموضع العسكري السعودي بعد الاتفاق مع إيران، خلص في نتيجته إلى أن الاتفاقيّة السعودية الإيرانية برعاية صينية، تضع السعودية أمام تحدّ كبير على المستوى الأمني، إذ إن البيئة الاستراتيجيّة العامة في الخليج وفي المنطقة ستفرض على الرياض احترام مطالب طهران الأمنيّة في ظل عدم قدرة السعودية حاليًا على الخروج من التحالف العسكري مع واشنطن لأسباب عديدة منها عملياتيّة، ومنها تسليحيّة تمسّ العقيدة العسكريّة السّعودية.

بالإضافة إلى أن نقاط الاشتباك السعودي الإيراني تحتاج إلى وقت لإخمادها وتطبيع الوضع إلى ما كان عليه قبل العام 2010. كما أن إطفاء نقاط النار أو الاشتباك بين الرياض وطهران ستفرض على السعودية أثمانًا ملحوظة يجب أن تدفعها، ذلك أن إنجاز التهدئة في اليمن لن يمنع صنعاء من أن تفرض نفسها قوة أساسيّة في المنطقة وهي دور استحقته صنعاء خلال الحرب عليها منذ العام 2015.

وقد سمحت الحرب لصنعاء بفرض نفسها كقوّة استراتيجيّة وازنة تمتلك كل أدوات الردع للسعوديين في حال عاودوا الاعتداء (صواريخ بالستية – مسيرات كبيرة وفاعلة – صواريخ كاسرة للتوازن البحري في منطقة باب المندب – جيش خبير ومدرب يفوق عديده الجيش السعودي). كما أن العراق الذي يتعافى ببطء بات من جديد يمتلك قدرات مؤثرة على المستوى العسكري والاقتصادي فضلاً عن تحالفاته. وتكفي الإشارة إلى قدرة الحشد الشعبي التي تخرج عن كونها قوة عراقية لتفرض نفسها كقوة يعتد بها في الإقليم.

وهنا، لا بد من التنويه إلى أن السعودية مضطرة للتعامل مع هذين الثابتين في أي تطبيع مقبل مع إيران مما يمنح طهران قوة تفاضلية إضافة إلى القوة الايرانية النوعية. وهذا العامل سيفرض حكمًا على السعودية إذا أرادت التطبيع الانخراط في نظام أمني إقليمي لطهران السبق واليد العليا فيه.

بالنسبة لإيران، فقد التزمت بالحفاظ على قدرة ونفوذ السعودية النوعي في الخليج فقط في حال انخراطها في نظام اقليمي متكامل وهو أمر قد تقبل به الرياض إلا أن الولايات المتحدة الامريكية وحليفتها الكبرى “إسرائيل” لن تقبل به مطلقًا بل ستحاربه وقد تضع العراقيل بوجهه.

النظام الدفاعي الجوي والبحري الذي بدأت الولايات المتحدة بناءه في الخليج والبحر الأحمر من خلال القيادة الوسطى (السنتكوم) يقلّل كثيرًا من خيارات السعودية المنخرطة فيه بقوة، ويمنعها إلى حد كبير من المناورة دون المغامرة بالاصطدام بالشريكين المتربّصين (الولايات المتحدة وإسرائيل)، وهذا يعني أن خطوة بناء نظام أمني إقليمي محلّي تتقاسمه طهران والرياض مع دول المنطقة يحتاج إلى حل معضلة النفوذ الأميركي في “الضفة العربية” للخليج وتفكيك الحلف الأمني الذي تبنيه واشنطن والذي يستهدف إيران واليمن والعراق.

فهل يمكن أن يغامر النظام السعودي بالخروج من هذا الحلف الأميركي إذا ما رأى أن النظام المزمع بناءه مع طهران سيؤمن للسعودية ما تريد؟

هناك كابحين مهمين في هذا المجال:
• الأول هو ارتباط الرياض عسكريًا بشكل عضوي مع الولايات المتحدة وتحكم الولايات المتحدة بمفاتيح القوّة الأساسيّة في المؤسّسة العسكريّة السّعودية وعلى رأسها منظومات القيادة والسّيطرة، ومنظومات الحرب الإلكترونيّة ومنظومات الملاحة الجويّة، فضلًا عن نظم الصّيانة والتدريب والتسليح. وهذا ما يفرض على السعودية امتلاك البديل في حال قرّرت اتخاذ قرار التخلّي عن الرعاية الأميركيّة المطلقة وهناك مرحلة انتقاليّة قسريّة لحوالي (48 إلى 72) شهرًا ستضطر السعودية للالتزام بها لتحقيق استقلاليتها النسبيّة أو الكاملة عن التبعيّة لواشنطن.

• الثاني هو رفض واشنطن أي تبديلات على المستوى العسكري والاستراتيجي في الخليج، بالنظر إلى أن كل جهدها منصب الآن على الوقوف بوجه إيران وما قد يعني ذلك من إبقاء النظام الامني في الخليج على ما هو عليه حتى اشعار آخر. وهنا يمكن الجزم بأن الجانب الامني من الاتفاقية لا يمكن تحقيقه مطلقاً إلا عبر سلوك معبر الولايات المتحدة.

بناءً على ما تقّدم، فإن الاتفاقيّة بين إيران والسّعودية على المستوى الأمني تفرض على الرياض في كلا الأمرين (نظام أمني إقليمي أو نظام أمريكي أمني إقليمي) التراجع عن طموحاتها الإقليميّة، إلا أن النظام الأمني الإقليمي يخدم السّعودية بشكل أفضل، ذلك أن شركاءها مستعدّون لإعطاء السعودية الدور الوازن الذي تستحقه، فيما ينذر البقاء في النظام الأمني الذي تنتمي إليه السعودية الآن بمساواتها أمريكيًا مع قطر والبحرين.

يمكن للسّعودية أن تمسك بالعصا من الوسط، أو تمارس سياسة حصر النزاعات، فتحافظ على علاقات عسكرية عميقة مع الولايات المتحدة، في الوقت نفسه الذي تتحرّك فيه نحو الاستقرار في علاقاتها الإقليميّة، أي أنها تستطيع توظيف الاستقرار في اتجاهين يخدمان السياسة الأمريكية في المدى المنظور، ومنع التفجير في المنطقة بموازاة الحرب الأوكرانية، وتطوير نفوذها الناعم تحت مظلّة الاستقرار والانفتاح الإقليمي. لكنها لن تكون في المدى المتوسط، وإلى حين استعادتها لعافيتها الاقتصاديّة التي تهشّمت بفعل الحرب اليمنيّة والسوريّة والعراقيّة، أن تلعب دورًا صداميًّا في مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة ولا حلفائها. ستكون قادرة على ممارسة الضغوط في سياق التفاوض المنضبط وبأسقف محددة.

اساسيالسعوديةالصينايران