“التنمر”، مصطلح اجتماعي قديم – جديد نسبيًا، يستخدم للدلالة على ظاهرة اجتماعية خطرة، انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وهي تعبر عن تعرّض الكثير من الأفراد في المجتمع لتصرفات عدوانية، كالإهانة أو الاستخفاف أو الانتقادات اللاذعة، أو حتى الضرر الجسدي، من قبل شخص يسمى “المتنمِّر” في محاولة منه لتطبيق أفكاره المغلوطة والخاطئة على الآخرين، انطلاقًا من وجود “مرض عقلي ” لديه، والمقصود هنا طبعًا المرض الاجتماعي وليس السريري.
لم تقتصر هذه الظاهرة على شكل اجتماعي معين، بل شملت العديد من أشكال الحياة ، وباتت تظهر في مختلف مجالات العلاقات الاجتماعية، انطلاقًا من الأسرة مرورًا بالمدرسة والشارع والعمل والمجتمع، حتى وصلت مؤخرًا لوسائل التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بـ”التنمر الإلكتروني”، الأمر الذي دفعنا إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة ومخاطرها وكيفية الحد من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع.
أنواع التنمر، مخاطرها، وأشدها خطورة
انطلاقًا من مفهوم التنمر، يتبين أن هذه الظاهرة تصيب عادة الأشخاص المختلفين والمتميزين، الذين يكونون عادة عرضة للانتقادات والتجريح والاعتداءات من قبل المتنمرين، بسبب عدم توافق هؤلاء مع أفكارهم ومعتقداتهم ومفاهيمهم، مما يجعلهم عرضة للاعتداء النفسي والجسدي من قبل هؤلاء المرضى عقليًا.
وبالحديث عن أنواع التنمر التي يتعرض لها الأفراد في المجتمع فهي متعددة، وتشمل التنمر الجسدي، اللفظي، الاجتماعي، الجنسي، العرقي، المدرسي، التنمر في العمل، التنمر الإلكتروني، ولكل نوع منها تصرفات محددة تدل عليه، وأدوات خاصة به يلجأ المتنمّر إلى استخدامها إن كانت جسدية أو نفسية.
أما فيما يتعلق بالمخاطر، فهي عديدة ومتشعبة أيضًا، وتطال الفرد والمجتمع ككل، إن كان من جهة المتنمَّر عليه أو حتى المتنمِّر، وأبرزها الإصابة بأمراض نفسية وعقلية واجتماعية، كالإصابة بالاكتئاب والقلق، والشعور بالوحدة والحزن، وتغيرات في نمط النوم وأنماط تناول الطعام، كما أن ضحايا التنمر معرضون لخطر الانتحار بسبب الاكتئاب المزمن الذي تنتج عنه الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس، بالإضافة إلى الأضرار التي تصيب الأسرة، وشعورها بالعجز والفشل، فضلًا عن تراجع قدرة الفرد على العمل والإنتاج في بيئة العمل، مما يؤثر على المؤسسة ككل، بالإضافة إلى انخراط المتنمرين في مجموعات خارجة عن القانون، ولجوئهم إلى تعاطي المخدرات وآفات اجتماعية أخرى.
ولعل الأشد خطورة في وقتنا هذا من بينها جميعًا هو التنمر الإلكتروني، أو ما يعرف بالتنمر عبر الإنترنت، والذي يتم باستخدام التقنيات الرقمية، ويمكن أن يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة ومنصات الألعاب والهواتف المحمولة.
شهد التنمر الإلكتروني في الآونة الأخيرة انتشارًا كبيرًا، ويعد من أخطر أنواع التنمر في المجتمعات الحديثة، باعتبار أنه أكثر ما يتعرض له الإنسان اليوم كونه متاحًا وسهل المنال وهو أيضًا يعتبر أكثر أشكال التنمر تأثيرًا على «المتنمَّر عليه». هذا النوع ربما يقضي على الإنسان نهائيًا ويحرقه اجتماعيًا.
آثار وطرق مواجهة التنمر الإلكتروني
اتخذ التنمر الإلكتروني أشكالًا عدة، مثل التحرش والمضايقة، وتشويه السمعة، وانتحال الهوية، والمطاردة الإلكترونية، والنبذ الإلكتروني، والقرصنة الإلكترونية، والتنمر الإلكتروني عبر التصوير، والتجسس والخداع وغيرها من الأساليب الأخرى التي قد يلجأ لها المتنمرون إلكترونيًا.
وفي هذا المجال، تشير الإحصائيات إلى أن الفئة العمرية الأكثر عرضة للتنمر الإلكتروني هي فئة الأطفال والمراهقين، حيث يتعرض ما يقارب ربع من 43% من الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت للتخويف بشكلٍ متكررٍ، وأشار 20٪ من الأطفال والشباب إلى أن الخوف من المتنمرين عبر الإنترنت جعلهم يترددون في الذهاب إلى المدرسة، ويتعرض 70% من طلاب المدارس المتوسطة للمضايقات الإلكترونية المتكررة، كما يرى 68% من المراهقين أن التنمر الإلكتروني مشكلة خطيرة تحتاج للمعالجة.
وفيما يتعلق بمخاطر هذا النوع من التنمر فهي تتشابه كثيرًا مع تلك التي تسببها الأنواع الأخرى من التنمر على المستوى النفسي والجسدي والعاطفي والاجتماعي، وعلى صعيد المدرسة والتحصيل العلمي وكذلك في مكان وبيئة العمل، والتي أتينا على ذكرها آنفًا، إلا أنها تعتبر أكثرها تأثيرًا لأنها تطال الحياة اليومية للأشخاص وخاصة الأطفال والمراهقين، ولأنها يمكن أن تحدث في أي مكان وفي كل وقت.
وبالحديث عن طرق مواجهة هذه المخاطر والحد منها، فهي متشعبة نذكر منها نشر الوعي بخطورة التنمر الإلكتروني بين الأفراد وإعداد البرامج الثقافية التي تشرح تأثير التنمر الإلكتروني وماهيته وكيفية التعامل مع الشخص المتنمر لا سيما لدى الأطفال، والتحفّظ على المعلومات والصور الشخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعي وتجاهل التعليقات المسيئة والقيام بحظر المتنمر مباشرة، وتغيير كلمة المرور بشكل مستمر واستخدام كلمات غير معتادة لمنع عمليات الخرق الإلكتروني، فضًلا عن عدم منح الثقة للغرباء مباشرةً، والحد من نشر الأمور التي قد تسبب حرجًا للمستخدم لاحقًا.