لطالما كانت جدلية أن تحل التكنولوجيا مكان الإنسان قائمة على مر التاريخ البشري، لا سيما مع دخول الإنسان في عصر التطور التكنولوجي، وما حققه من قفزة نوعية في مستوى الحياة ككل.
هذا التطور التكنولوجي وصل اليوم لمرحلة أكثر انتشارًا وتأثيرًا من أي وقتٍ مضى، مع وصولنا إلى عالم “الذكاء الاصطناعي” الذي برهن بكل المعايير والمجالات إمكانية أن يكون بديلًا إلى حد كبير عمّن أوجده ووضعه حيّز التنفيذ والاستخدام. وليس آخر الشواهد الثابتة على ذلك برنامج ” Chat GPT” الذي أحدث وقعًا مدهشًا ومثيرًا للجدل، لا سيما أنه سرعان ما حظي بالاهتمام نظرًا لردوده التفصيلية والإجابات المذهلة في العديد من مجالات المعرفة. وهنا لا بد من طرح تساؤلات حقيقية وجدّية عن تأثيرات هذا “الروبوت” على حياة البشر وعلى مستقبلهم.
عالم من المعرفة في مجالات متشعبة ومتعددة
نوفمبر 2022، كان موعد إطلاق شركة “OPEN AI” الأميركية لمنصة ” Chat GPT”، وهي تقنية حديثة قادرة على محادثة البشر بطريقة سلسة وتقديم إجابات مناسبة عن جميع الأسئلة، فضلًا عن تميزها بقدرتها على الاعتراف بالأخطاء وعدم إعطاء إجابات للأسئلة غير المناسبة، معتمدة في ذلك على الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الإطار، يشير خبراء عاملون في تقنية المعلومات والتحول الرقمي، أن ” Chat GPT” يعمل كمحرّك بحث يربط كل البيانات والمعلومات الموجودة على الإنترنت، ويتميز عن محركات البحث التقليدية أنه قادر على فهم ما تكتبه بدقة أيًا كانت اللغة المستخدمة، ويتعامل بطريقة تفاعلية مع الطرف الآخر، حيث يقوم بتحليل الجملة المكتوبة ويحضر الإجابات على نحوٍ دقيق وشامل بدلًا من روابط المقالات.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تعددت المجالات التي تمت الاستفادة فيها من محرك ” Chat GPT”، حيث شملت التحليل الاقتصادي والمالي، وحل المشكلات الاجتماعية وتصميم التطبيقات، والقطاع التعليمي، وكتابة الأكواد البرمجية، ومجالات الترجمة اللغوية والنقد السينمائي، والمجال الأدبي وغيرها من المجالات الأخرى.
فضلًا عن ذلك، ووفقًا لصحيفة “فوربس” الأميركية فإن ” Chat GPT” سيكون له دور كبير مستقبًلا في تغيير الكثير من الصناعات حول العالم، بعدما أحدثته هذه التقنية من ضجة في عالم التكنولوجيا، لا سيما على صعيد محركات البحث وتصميم الغرافيك وغيرها، وفقًا للصحيفة.
رغم الفوائد.. السلبيات والمخاوف
لم يخلُ ” Chat GPT” بكافة إصداراته من مجموعة من العيوب والسلبيات الخطرة، التي تشكل تهديدًا حقيقيًّا للحياة البشرية، مثله مثل كل أدوات واختراعات التكنولوجيا التي شهدها التاريخ الإنساني، في محاولاتها وسعيها للحلول مكان البشر والقيام بأدوارهم. ولكن تبدو هذه التحديات والمخاوف اليوم أكثر خطورة بكثير، وقد لخصها إيلون ماسك يومًا بعبارة “جيد بشكل مخيف” في إشارة للذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، أثارت فعلًا هذه الطفرة الجديدة من الذكاء الاصطناعي مخاوف عديدة حول مستقبل العديد من المهن، إذ بدأ هذا البرنامج بالسيطرة الفعلية على العديد منها، ولا بد أن هذه السيطرة مستمرة في التوسع مستقبًلا، إذ وفق ما ذكرت صحيفة “فوربس” أيضًا، فإنه ” من الممكن أن يستحوذ Chat GPT”” على وظائف يعمل بها نحو مليار شخص على مستوى العالم خلال السنوات العشر المقبلة”.
فضلًا عن ذلك، فإن الآثار السلبية للتطبيق لا تقتصر فقط على الشق المهني والاقتصادي، إذ ثمة أبحاث صادرة عن منظمات إيطالية تقول إن روبوت الدردشة هذا يقوم بجمع البيانات بشكل غير قانوني، كما أنه لا يتضمن أي ضوابط لاستخدامه من قبل القاصرين، مما دفع الحكومة الإيطالية لحظر استخدامه في إيطاليا.
بالإضافة إلى ما ذكر، يخشى باحثون أيضًا أن يقدم ” Chat GPT” معلومات مضلّلة بعض الشيء للمستخدمين، وأن يقضي على الإبداع والمهارات الفكرية لا سيما لدى الأطفال، حيث إن اعتمادهم عليه بشكل كبير يضعف قدرتهم على الإبداع والتفكير الخلّاق.
هذه السلبيات والمخاوف مجتمعة، دفعت مجموعة من العلماء والمؤثرين الكبار في مجال الذكاء الاصطناعي لدعوة شركة “Open AI” لوقف تحديث برنامج “Chat GPT” ، نظرًا “للخطر الذي يسببه على المجتمع والإنسانية”. وفي جميع الأحوال يبقى هذا الخطر مرهونًا بكيفية استخدام هذا البرنامج، وبمدى القدرة على التحكم والسيطرة على آثاره ومفاعيله.