إزاء الأزمة السياسية المتفاقمة في كيان العدو، والتي أتت بعد استمرار الاحتجاجات في الشارع على التعديلات القضائية المثيرة للجدل التي طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي تأجل العمل بها إلى الصيف بعد اتفاق عقد بين بن غفير ونتنياهو. وللحديث أكثر عن النزاع السياسي في كيان العدو، أجرى موقع الناشر مقابلة مع الخبير في الشؤون العبرية حسن حجازي.
أي أثر للنزاع السياسي اليوم في كيان العدو؟ وهل ما يحكى عن تصدّع الكيان واقعي في هذا الإطار؟
إن النزاع في شاكلته الظاهرية هو نزاع سياسي، لكنه أعمق من هذه المسألة، هذا النزاع يطال أساس التركيبة والبنية الاجتماعية الصهيونية المنقسمة على مجموعة من التكتلات ومجموعة من الشرائح المختلفه على المستوى السياسي والايديولوجي وعلى المستوى الطائفي. وهو ما يسمى بالقبائل الستة: اليمين واليسار والعلمانيون والمتديّنون والشرقية والغربية.
التصدّع يأتي على أساس التناقضات القائمة بين هذه المكوّنات، أي المكوّن اليساري العلماني الغربي الأشكنازي، يمثّل شق المعارضة، والمكوّن الديني اليميني الشرقي في أغلبيه يمثل الشق المؤيد للحكومة. هؤلاء يعيشون تناقضات قديمة منذ تشكيل الكيان، وبالتالي التصدّع يحصل على هذا المستوى لأن هناك تناقضات كامنة في هذه التركيبات، وأتت هذه اللحظة التي تبرز هذه التناقضات إلى العلن وتفجّرها دفعة واحدة. وعليه، انفجر الصراع بهذا الشكل وأدّى إلى تهديد وحدة الكيان، لأن التعديلات القضائية هي عنوان لمحاولة التيار الديني اليميني الشرقي إحداث نوع من السيطرة على مقاليد السلطة، والغربيون العلمانيون الأشكناز الذين يشعرون أن هذا انقلاب على سيطرتهم لتتسلم النخبة اليمينية الدينية الشرقية زمام الأمور في المرحلة المقبلة، بعد أن كانت محرومة منها في الفترات السابقه.
ما هو مصير حكومة نتنياهو في ظل الصراع القائم؟ وهل يُكتب لها الاستمرار؟ أم أن صناديق الاقتراع ستعود إلى الواجهة؟
حتى الآن حكومة نتنياهو تحافظ على التماسك ولا يظهر أن هناك بوادر تمرّد داخلها. إلا أنه كان هناك بعض الإرتباك عند مناقشة مسألة موقف الحكومة من التعديلات القضائية. في حين، الحد الأقصى لهذا الإرتباك حصل عن طريق تراجع نتنياهو عن التعديلات، وقام بتجميدها، وبهذه الطريقة ضمِن عدم حصول انشقاقات داخل حزبه، واستطاع السيطرة على شخصيات في داخل الحزب كانت تتمرّد.
وبحسب الاستطلاعات، لن يتمكن بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة مجددًا، أي حكومة يمينية، في حال الذهاب إلى انتخابات مبكرة، من هذا المنطلق، كل شركاء هذه الحكومة حريصون على بقائها، ولا يبدو في المرحلة الحالية بوادر تصدّع وتشقّق يمكن أن يهدّد هذه الحكومة بالسقوط.
هل من الممكن أن نرى انتقالًا للصراع الداخلي الإسرائيلي إلى حرب خارج الحدود كنوع من تصدير الأزمة؟
إن خيار الحرب لا يمكن أن نستبعده بشكل كلي، إلا أن هناك مجموعة من العوائق أمامه، وهنا علينا طرح عدة أسئلة منها، ما هي الحرب التي يمكن أن يشنّها بنيامين نتنياهو؟
أمام نتنياهو عدة ساحات وهي قطاع غزة، الضفة الغربية، القدس، لبنان، سوريا والمواجهة مع إيران. وإن أي مغامرة في هذه الساحات لن تكون بسيطة. إن المعركة مع غزة أو الضفة ستكون مكلفة وستحمل انتفاضة شاملة ومواجهة عسكرية كبيرة ومن المحتمل دخول محور المقاومة كشريك في هذه المعركة، وعليه ستكون هذه المسألة خطيرة جدًا ومن أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن يواجهها الاحتلال، خصوصًا وأن كيان الاحتلال لن يستطيع تحقيق أي هدف من هذه الحرب، إنما سيتعرّض لدمار كبير وهزيمة شاملة. هذه النتائج والتوقعات تمنعة “إسرائيل” من خوض الحرب في تلك الساحات.
أما بالنسبة للجبهة اللبنانية، فهي تعمل على نفس الاعتبارات بما يخص غزة والضفة. هناك استبعاد لها وهذا ينطبق أيضًا على المواجهة مع إيران، لأن هذه المواجهة ستكون خطيرة ومن الممكن أن تؤدي الى اشتعال المنطقة، بالإضافة إلى التحفّظ الأميركي على التصعيد في كل هذه الجبهات، وهذا نظرًا لاعتبارات الولايات المتحدة الاستراتيجية. لذلك، إن الحرب مستبعدة لأن المغامرات لم تعد سهلة، وهذه الحروب لن يستطيع الكيان أن يحقق فيها أي إنجازات، وقد تقوده إلى حرب غير مسبوقة.
بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، فإذا عمل على قرار الحرب وأنهاها بعد أيام أو أسابيع، فهذا الأمر لا يضمن بأن الخلافات ستنتهي، بل سيتجدد الخلاف مرة أخرى بما يخص سياسات الحكومة ومشاريع اليمين للسيطرة على مقاليد السلطة وتغير دور المؤسسة القضائية، وستعود الأزمة إلى نقطة الصفر. وبالتالي، فإن نتائج المعركة لن تغيّر الخلاف حول القضايا الجوهرية.
ما هو أفق الأزمة السياسة ومداها الزمني المتوقع؟
إنّ هذه الأزمة مفتوحة، وتجميد بنيامين نتنياهو لخطّة التعديلات القضائية هو تجميد مؤقت إلى ما بعد نهاية الإجازة التي سيدخلها الكنيست حتى شهر تموز. وبعد تموز، إذا ما تم التوصّل الى اتفاق مع المعارضة، فهو سيعود إلى طرح هذا المشروع مجددًا لتمريره في الكنيست.
من هذا المنطلق، يسعى نتنياهو للاستفادة من الوقت لتعزيز صفوفه وإلقاء الحجة على المعارضة والقول بأنه ذهب للتفاوض والتعاون مع المعارضة للتوصّل إلى صيَغ معينة، وقد يطرح صيَغ ملغومة تحمل الكثير من التساؤلات، وربما يدفع المعارضة إلى رفض هذه التسويات ويحمّلها مسؤولية تداعيات الرفض. بالتالي، يريد نتنياهو أن يخفّف من الاعتراضات في الشارع على هذه المبادرة، ولكن من غير المعروف كيف سيتم التعامل مع هذه القضية أثناء المفاوضات في الفترة المتاحة حتى شهر تموز، وبعدها قد يلجأ إلى إعادة طرح هذه الصيغة أو صيغة أخرى مخفّفة من التعديلات تضمن له تحقيق إنجازات معينة على هذا المستوى، ومن هذا المنطلق ستبقى الأزمة قائمة.