ماذا لو كان في العام 1975 وسائل تواصل اجتماعيٍّ؟

يذكر التَّاريخ أنَّ أوَّل من قام بالحرب الإعلاميَّة النَّفسيَّة هو جنكيز خان على حدود سور الصِّين؛ فبعد أن جعل كلَّ جنديٍّ من جنوده يرتدي سترة حرير، استولى عليها من صادرات الصِّين، كوسيلة حماية من اختراق السِّهام، عمل جنكيز خان على أن تضيء كلُّ مجموعة متحلِّقَة من الجنود حول النَّار خمسَ حلقات نارِ إضافيَّة، حتَّى خمَّن الصِّينيُّون أنَّ جيش المغول جيشٌ هائل يصعب هزيمته، وبالفعل ظنَّ الصِّينيون أنَّ جيش جنكيز خان هو خمسة أضغاف الرَّقم الحقيقيِّ، فخافوا وتراجعوا، وهكذا استطاع أن يجتاز جيش المغول سور الصِّين بأقلِّ أضرار ممكنة.

وعندما توسع المغول أكثر كانوا كلَّما دخلوا قرية، أو مدينة، يختارون أجمل عشر نساء ويأخذونهنَّ جاريات لجنكيز خان الذي كان ينجب منهنَّ أولادًا، تاركًا له أبناء في كلِّ منطقة غزاها المغول، أي السُّلاسة المغوليَّة، وحتَّى معركة عين جالوت مع المماليك كان المغول قد أثبتوا حضورهم السُّلاليَّ والوراثيَّ في منطقتنا. وأكدَّ الأمرَ الدِّراسات الَّتي أجراها فريق عالميٌّ من المختصِّين في علم الوراثة، أنَّ هناك حصرًا ما يسمى ghenhis khan’s DNA، ويحمل هذه السُّلالة الوراثيَّة ما يقارب السِّتة عشر مليونَ رجل. وتقول بعض هذه الدِّراسات أنَّ هذه السلالة موجودة بكثرة في منطقتنا أو ما يسمى سابقًا سوريا الطَّبيعيَّة، وقبل نشوء لبنان الكبير في ١٩٢٠ وتقسيم المنطقة وفقًا للألوان الخضر والحمر والصُّفر كما أحضرها لنا سايكس وبيكو.

وبما أنَّنا على أعتاب نيسان في ذكرى الحرب المشؤومة من العام ١٩٧٥، وبما أنَّنا نجونا من حرب السَّاعة، وإذا فكَّرنا مليًّا، نجد أنَّ اليمين المتطرِّف الَّذي قاد حربًا عرقيَّة ودينية حاول بطريقة أو بأخرى فصل ما يسمِّيه العرق الفينيقيَّ المقدس في لبنان، عن الأعراق الأخرى المندسَّة بحسب معتقداتهم والَّتي يعدُّها درجةً ثانيةً، وذهب ضحيتها ثمانون ألف قتيل من الأطراف كلِّها من هذا البلد المنهك والمنتهك. إلَّا أنَّ أفكار التَّطهير العرقي لم تخرج من ذهنيَّة اليمين المتعصِّب، وعند أوَّل خلاف يخلعون قشرة الحضارة وما يدينون به للحضارة من مأكل وملبس ومشرب، ويأخذ الصدارة الكلام العنصريُّ والطَّائفيُّ في جوٍّ مشحون. نحن هذا الجيل سمعنا عنه في الحرب ولم نعايشه يومًا ألَّا لهذه اللَّحظة. أمام هول المشهد تقف كإنسان حائرًا أمام فكرة تقبُّل الآخر أو رفضها، وتجد نفسك أمام اعتبارات مؤطَّرة بمذهب وطريقة صلاة ولباس كي تقرر كيف ترفض الآخر وتتقبَّله.

لقد خاض التَّطرف في العام ١٩٧٥ حربًا باسم الله، والتَّطرف أيضًا خاض حربًا براياته السُّود باسم الله، والتَّطرف يقتل في فلسطين منذ العام ١٩٤٨، جمعهم الذَّبح والتَّنكيل والإلغاء والإقصاء والكثير من الضَّحايا والأبرياء.

في تراجيديا أرسطو يقول إنَّ المأساة وسيلة للتَّطهير، أيعقل أنَّ كلَّ آلام لبنان لم تكفِه كي تتطهَّر الأنفس وتصفى الأرواح؟

في كتاب السِّتارة لميلان كونديرا يوضِّح أهميَّة الوعي التَّاريخي لأنَّه مرتبط بوعي الاستمراريَّة، ويتكلَّم عن ثقافة إقليميَّة الأمم الصَّغيرة في السِّياق الكبير يقول: إنَّها العجز والرَّفض عن التَّفكير في السِّياق الكبير.

عندما نشأت الآداب العالميَّة نشأت بمنحى كوزموبوليتي يتجاوز كلَّ الأعراق والمذاهب والأديان والجغرافيا، يبدو أنَّنا بحاجة لثقافة أدبيَّة روحيَّة وقلبيَّة كي نُهذِّب الشَّيطان الَّذي يجوب ذواتنا.

في الإله المحتجب يخصِّص لوسيان غولدمان في قسم الرُّؤية المأساوية أنَّ الوعي ظاهرة اجتماعيَّة يفترض تعاون مجهودات فرديَّة لتُستكمل النَّتائج على أكمل وجه.

كم نحتاج من الوعي والطَّاقات الفرديَّة كي نخرج من قيد التَّطرف والتَّعالي والعرقيَّة التي تنهش أرواحنا قبل أجسادنا؟

عندما يقع التَّعصب والحقد الطائفي في فخِّ الدَّهاء السِّياسيِّ يموت الإنسان فقط.

ماذا لو كان هناك وسائل تواصل اجتماعي في العام ١٩٧٥؟ هل كانت وقعت الحرب الأهليَّة؟ منذ يومين وقعت حربٌ أهليَّة على وسائل التَّواصل بحجَّة السَّاعة – وقعت قبلها بحجة الدَّجاجة – بدأها أحدٌ ما وانتهى بها آخر ما، في متاهة عنكبوتيَّة وقد يكون جارًا لنا أو متزعِّمًا وهميًا…

ألم تكن مأساتنا كافية كي ندخل في مرحلة التَّطهير!؟

اساسيلبنان