ماذا ينتظر العلاقات السعودية السورية؟

وكأن “غياب الكيمياء” الشخصية والسياسية، بين الرئيس الأميركي جو بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بات تتمخّض عنه تباينات جوهرية أكثر حدة بين واشنطن، والرياض في الآونة الأخيرة. ورغم حجم الروابط الوثيقة بين البلدين، بخاصة على الصعيدين الأمني والعسكري، ضمن توازنات قوى إقليمية ودولية رجّحت تاريخيًا كفة المصالح الأميركية في ميزان العلاقات الثنائية، يبدو ولي العهد السعودي في طور محاولة معاكسة ذلك الواقع، أو مشاكسته قدر الإمكان على أمل إعادة تشكيل العلاقات الأميركية السعودية على أسس جديدة، بما يعيد الرياض إلى مكانتها في صلب “معادلة الحماية الأميركية” في الشرق الأوسط.

وفي حين تسير سياسة الولايات المتحدة في اتجاه معاكس لرغبات بن سلمان، وهو اتجاه تعزز منه ما تواتر من أنباء بشأن شحن الولايات المتحدة معدات عسكرية متطورة من المنطقة نحو منطقة “الباسيفيك”، حيث بؤرة الصراع بين واشنطن، وبكين، دأب ولي العهد السعودي بدوره مؤخرًا على معاكسة تلك الرياح، وتسجيل المزيد من الأهداف في مرمى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد هدف أول سجله في مرمى الأخير قبيل انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك من خلال قرع “أبواب موصدة أميركيًا”، منها ما يتعلق بتعزيز علاقاته مع شركاء دوليين، كالصين، ومنها ما يتعلق بانفتاح إقليمي تمضي به الرياض، بخاصة مع إيران، وسوريا.

مكاسب سياسية ودبلوماسية

وفي هذا السياق، تتوقف مجلة “نيوزويك” عند تغيّر الخطاب المعادي للرئيس السوري بشار الأسد من أجندة أبرز خصومه الإقليميين، وفي طليعتهم السعودية، وتركيا. وتضيف المجلة، أنّ أيًا من هؤلاء، باستثناء القطريين، ما عاد يولي اهتمامًا بمسألة رحيله. وتشير المجلة الأميركية إلى جهود جدية، تتولاها دول عربية قريبة من دمشق، لإعادة البلاد إلى جامعة الدول العربية، واضعة سلسلة زيارات قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، ونظيريه المصري، والأردني مؤخرًا إلى العاصمة السورية دمشق، والتي كان آخرها عقب الزلزال الذي ضرب سوريا مؤخرًا، في هذا السياق.


وتلفت المجلة إلى مدى انزعاج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من استقبال الرئيس السوري مرتين في أبو ظبي خلال العامين الماضيين، والحفاوة التي لاقاها من قبل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، باعتبارها امتدادًا لوجستيًا، من الناحية الدبلوماسية، لقرار سابق بإعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، في إشارة إلى الدور الذي لعبته الإمارات، توازيًا مع روسيا وعُمان، في تحقيق اختراقات في جهود الوساطة بين الرياض ودمشق.

وتعتبر “نيوزويك” أنّ كارثة الزلزال الأخير، وفرت مكاسب سياسية، ودبلوماسية للأسد، مرجّحة أن يعود الدفء بين دمشق، وعدد من دول الدول الإقليمية الوازنة، التي كانت تناصبها العداء، كتركيا، التي باتت تميل إلى بدء محادثات مع الأسد، والسعودية التي شرعت في تنشيط قنوات الاتصال مع الأسد، وإن بعناوين “إنسانية”. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بات يظهر استعداده لعقد لقاء مع نظيره السوري، لأسباب عدة، من بينها إيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، التي أصبحت مثار قلق لأردوغان، وقاعدته الشعبية على حد سواء. وعلى المنوال نفسه، تحول موقف السعودية، التي كانت يومًا أحد المتحمسين لدعم الفصائل المسلحة في سوريا لإسقاط الأسد، حين أقرت على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان قبل أسابيع قليلة بأن سياسة العزلة ضد الحكومة السورية فشلت. ورغم تلميحه إلى أن ظروف عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لا تزال غير متوفرة، وتتطلب مزيدًا من الجهود، كشف الوزير السعودي أنّ “هناك توافقا في الآراء في العالم العربي على ضرورة اتباع نهج جديد في التعامل مع دمشق”. وقبل ذلك، أكدت الخارجية السعودية أنّ “الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، ونحن بحاجة إلى التفكير في طرق للتواصل مع سوريا”، بالتزامن مع أنباء بشأن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي إلى العاصمة السورية عقب عيد الفطر، كجزء من تتويج لاتفاق سابق بين دمشق والرياض لإعادة فتح سفارتيهما، وعودة التبادل الدبلوماسي بينهما. وبحسب المجلة الأميركية، فإن رسالة الدبلوماسية السعودية الجديدة حول سوريا “واضحة جدًا”، مشيرة إلى أنها تستبطن رغبة الرياض بإحياء الدور الإقليمي لدمشق، بعد أعوام من التعامل معها كـ “دولة منبوذة”. على هذا الصعيد، يشير الدبلوماسي السوري السابق مهدي دخل الله إلى الانفتاح العربي على سوريا، مؤكدًا أنه “بالنسبة للإمارات والدول العربية الأخرى، فإن هذا اعتراف بالواقع الجديد لسوريا، بمعنى أنه لم يعد من الممكن القضاء عليها”. ويضيف دخل الله، في حديث إلى الصحيفة الأميركية، أن زيارة الرئيس الأسد إلى أبو ظبي أواسط الشهر الجاري هي “تأكيد على عودة سوريا لدورها الإقليمي”، مردفًا أن بلاده “شرعت في أولى خطواتها” على طريق استعادة هذا الدور.

ابن سلمان لاعب براغماتي!

وبخصوص الدوافع السعودية، يوضح موقع “المونيتور” أن الموقف السعودي المستجد حيال ملفات المنطقة، كأزمة اليمن وسوريا، يشير إلى “تبلور حالة من النضج لدى ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان)، وتحوله من شخصية ذات ميول تخريبية وفوضوية، إلى لاعب سياسي قوي وبراغماتي”، لافتًا إلى أن انفتاح الأخير على معالجة خلافاته مع خصومه الإقليميين، على رأسهم إيران وسوريا، يمهّد لدخول الشرق الأوسط في حقبة جديدة من الازدهار. من هذا المنطلق، يلفت الخبير المتخصص في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنجهام ، عمر كريم إلى “أن تقارب السعودية مع هؤلاء الخصوم، “يمثل تغييرًا جذريًا في نهجه السياسي”، معتبرًا أنه مؤشر على “النضج وفهم أكثر واقعية لسياسات القوة الإقليمية”. ويشير الموقع إلى أنّه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت سياسة خفض التصعيد التي تنتهجها السعودية خلال الفترة الأخيرة، ستنجح، وإلى أي مدى ستصل، مشدّدًا على أنّ الجانب الأكثر وضوحًا في السياسة المشار إليها، هو ارتكازها إلى عنصرين أساسيين، وهما تقليل الاضطرابات في الجوار الإقليمي، إضافة إلى التركيز على مواصلة تنفيذ رزمة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، وهي إصلاحات أولاها بن سلمان اهتمامًا كبيرًا لتحسين صورته داخليًا وخارجيًا. وينقل الموقع عن مسؤول سعودي قوله إنّ “رؤيتنا تقوم على قيام شرق أوسط مزدهر، لأن هناك حدودًا لما يمكنك تحقيقه من منجزات، في حال لم يترافق ذلك مع تطوير جوارك الإقليمي”.

تعليقًا على مستجدات الموقف العربي العام من الأزمة السورية، أشار المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إلى خيبة أمل بلاده مما أسماه “المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على (حكومة الرئيس السوري) بشار الأسد”. بدوره، شدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، على أن بلاده “لن تطبع العلاقات مع نظام الأسد”، مؤكدًا أنّ إدارة الرئيس بايدن “لا تشجع أحدا على هذا التطبيع بغياب أي تقدم حقيقي نحو حل سياسي”. كما حذّر المتحدث “جميع المنخرطين مع دمشق بالتفكير بصدق وتمعن في الكيفية التي يمكن أن يساعد بها انخراطهم في تلبية احتياجات السوريين أينما كانوا يعيشون”.

وتعليقًا على تلك التطورات، يرى الباحث المتخصص في شؤون السياسة الخارجية، دانييل ديبتريس أنّ “شركاء الولايات المتحدة العرب ليسوا في وارد انتظار موقفها، لاستئناف علاقاتهم الدبلوماسية مع سوريا، وتطبيع العلاقات معها”، معتبرًا أن الدول العربية الحليفة لواشنطن، كالسعودية، والإمارات، “لا تعير اهتمامًا كبيرًا لموقفها الرافض” لذلك التطبيع. وفي السياق نفسه، يشكّك موقع “ستراتفور” في إمكانية فرض عقوبات أميركية على حلفاء تاريخيين لواشنطن في المنطقة، تحت ذريعة العقوبات على سوريا، بموجب قانون “قيصر” وغيره من القرارات العقابية بحق سوريا، مستعرضًا مبادرة عدد من الدول العربية لإعادة علاقاتها “بصورة علنية”، أو “مستترة” العلاقات مع سوريا خلال الآونة الأخيرة، لا سيما الأردن، والبحرين، ومصر. ويتابع أن الجانب الإماراتي هو من “تولى زمام المبادرة في هذا المسار” الدبلوماسي العربي، مشيرًا إلى أبو ظبي عرضت خططًا للاستثمار في سوريا، من ضمنها خطة لتطوير نظام للطاقة الشمسية في البلاد.

تراجُع الهيبة الأميركية

ويشرح الموقع الاستخباري أن خلفيات التمرد من جانب تلك الدول على إرادة واشنطن، خلافًا للمعتاد، يرجع إلى تقديرات قادتها بأن الولايات المتحدة لا تريد إثارة أي نوع من الخلافات مع شركائها الإقليميين بشأن سوريا، وسط تراجع هيبتها، ومصداقيتها سواء على صعيد ملف حقوق الإنسان، أو على صعيد أمن حلفائها، خصوصًا وأن الأزمة السورية ليست ضمن أولويات إدارة بايدن. ويلمح الموقع إلى أنّ عدم فرض واشنطن عقوبات على الدول المطبّعة أخيرًا مع دمشق يشي بـ “صحة تلك التقديرات حتى الآن”، لافتًا إلى أنّ واشنطن نفسها، تلحظ استثناءات لسياسة العزلة ضد دمشق، من باب الرهان على أمور معينة، ولعل أبرزها إعادة تشغيل خط الغاز العربي، المغلق منذ مدة طويلة، الذي ينطلق من مدينة العريش المصرية، ويمر داخل الأراضي السورية عبر مدينة حمص، في ظل أزمة الطاقة التي فرضتها الحرب في أوكرانيا.

في المقابل، تجزم مجلة “ناشونال انترست” بأن إدارة بايدن ليست في وارد رفع العقوبات المفروضة على دمشق في أي وقت قريب، كاشفة عن مساعٍ تقودها جماعات ضغط أميركية، داعمة لـ “إسرائيل”، من أجل مواصلة تشديد العقوبات على دمشق، والسعي بصورة استباقية لتعقيد التدابير الإجرائية اللازمة لرفعها، سواء من قبل البيت الأبيض أو الكونغرس، لا سيما بعد اضطرار واشنطن إلى منح استثناءات لدمشق من “قانون عقوبات قيصر” بعد الزلزال الأخير، تحت وطأة الضغط الدولي. وتتابع المجلة أن شخصيات محسوبة على “المعارضة السورية”، شأنها شأن بعض جماعات الضغط الأميركية ذات الميول الصهيونية، تبدي خشيتها من إمكانية رفع العقوبات عن الحكومة السورية بشكل دائم، مضيفة أنّ هؤلاء يسوؤهم أن يروا أي تخفيف للعزلة الدبلوماسية المفروضة على (حكومة) الأسد. وفي وقت تتطلع فيه دول عربية عدة، على رأسها السعودية، لمواصلة مسار انفتاحها على دمشق، إلا أن نجاحه سيعتمد إلى حد كبير على كيفية استجابة الأسد له، وما إذا كان على استعداد لملاقاة هذا المسار عند منتصف الطريق، وفق المجلة الأميركية.

اساسيالسعوديةسوريا
Comments (0)
Add Comment