رغم كلّ التنظيمات والجمعيات النسوية التي طالبت بعدم تسليع المرأة، ورفض استغلال جسدها للترويج لأيدولوجيا معينة أو التسويق للمنتجات بهدف زيادة الربح المادي، إلّا أن مصطلح التسليع لا يزال شائكًا عند المرأة تحديدًا، حيث يقمن هنّ بالترويج لأنفسهنّ كسلعة، بداية من ممارسة البغاء وصولًا إلى التّراقص والتّعري في تحديات تطبيق “التيك توك” ما يؤكد أن العدو الأول للمرأة هو المرأة نفسها.
ساهمت وسائل الإعلام مجتمعة بتسليع المرأة، ففي السينما والدراما قام المنتجون بتكريس مفهوم التّسليع وتصنيف نجمات للإغراء أمثال: مارلين مونرو في السينما الغربية وهند رستم عند العرب وغيرهن من الممثلات اللّواتي يتفاخرن بأنّهنّ أيقونات للتّعري، فضلًا عن ضرورة امتلاك نجمات الصف الأول لمفاتن جسديّة ووجه حسن. كما وافقت المرأة على تسليعها بعرض صور عارية لها على صفحات المجلات واستغلال جسدها في الإعلانات المصوّرة، بالإضافة لمشاركة الفتيات الجامعيات في مسابقات الجمال التي يكون فيها التّقييم على أساس الجمال وعرض المايوه، وهذا إن دلّ على شيء يدل على مشاركة المرأة بتسليع نفسها.
تنقسم الآراء اليوم بين المثقفات حول مفهوم التّسليع، فتلك التي تتراقص على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف جذب الرجال أو تحصيل المال تعتبره نوعًا من الحريّة الشخصيّة بينما يعتبره بعضهن نوعًا من التّسليع، كما تعرّت بعض النساء في المظاهرات المطالبة بحقوق المرأة وحريّة جسدها ما اعتبر شكلًا من أشكال التّسليع المتستر بغطاء قضايا أيدولوجيا جندرية.
اتهمت المنظمات والجمعيات النسويّة الرجل بتسليع النساء من خلال ممارسة سطوته عليهن، والنظر إليهن كجسد فقط مع تغيب دور العقل والفكر. وحاولت تلك الجمعيات تطهير المرأة من فكرة التسليع. ويعتبر كتاب “الجنس الآخر” تأليف الكاتبة الفرنسية “سيمون دي بوفوار” من أهم الكتب في نشأة الحركة النسويّة العالمية. وقد تعرّضت الكاتبة لتاريخ اضطهاد المرأة من قبل الرجل عبر التاريخ ومشاركته في تسليعها، متغاضيةً عن موافقة المرأة نفسها على تقديمها كسلعة.
لا يمكن إنكار دور بعض الرجال بتسليع المرأة وممارسة سطوتهم الذكورية أحيانًا، ولكن عندما تطرح قضية للنقاش يجب دراسة الأسباب وطرح الإشكاليات بوضوح. اليوم بعد تحرر المرأة وأخذها لمعظم حقوقها الإنسانية والقانونية، ما الذي يدفعها لاستغلال جمالها وجسدها لتكون نجمة شباك اول في السينما أو نجمة في الإعلانات التي تقع ضمن إطار التّسليع؟.
تواجه الجمعيات النسوية اليوم إشكالية في تحديد مصطلح التّسليع وأشكاله، فهل ينحصر التّسليع باستغلال المرأة في الإعلان والترويج بهدف الربح المادي فقط؟ هل يعتبر استغلال المرأة لجسدها تسليعًا من قبلها أم حرية؟ على النساء أن يتفقن إن كان التعرّي بهدف الإثارة حرية أم تسليعًا، وغيرها من الإشكاليات التي تطال هذا المصطلح الذي يختلف النساء أنفسهن في تحديده. يجب محاربة التّسليع بكافة أصنافه والقيام بدراسات معمقة لأسباب هذا الاستغلال الذي أصبح يطال الرجال أيضًا، وعلى النسويات وضع تعريف واضح وصحيح لتسليع المرأة وكيفية مواجهته كي لا تكون المرأة عدوًّا للمرأة وفقًا لاختلاف الرؤية.