الرعاية الصينية للاتفاق السعودي الإيراني: أية أصداء في واشنطن؟

وسط زخم الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية المتنقلة على امتداد الشرق الأوسط على خلفية الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، وجدت المنطقة نفسها قبل أيام قليلة، وبصورة مفاجئة، أمام مشهد مغاير، بنفحة دبلوماسية هذه المرة.

على هذا النحو، جاء بيان سعودي – إيراني مشترك يعلن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين. وما استرعى الانتباه أكثر، هو أن منبر رعاية الاتفاق الثنائي، لم يكن في إحدى عواصم الحوار الثنائي خلال العامين الماضيين، كبغداد، أو مسقط، أو في إحدى العواصم الغربية “المحايدة”، ذات الباع الطويل في لعب هذه الأدوار الدبلوماسية “الصعبة” بين الخصوم، كجنيف، بل في أقصى مشارق الأرض، وفي العاصمة الصينية تحديدًا.

“تهميش” لأميركا في “عصر صيني جديد”!
وبقدر ما جاء الحدث ليعكس بداية مشوار، قد يطول أو يقصُر، لمسار صراع ليس بقصير بين الغريمين الإقليميين، فإنه جاء ليتوج فاتحة سياسة صينية أكثر نشاطًا ودينامية في المنطقة بصورة عامة، والخليج بصورة خاصة، تطوي صفحة “التقيّة الدبلوماسية” والتي عبّرت عنها مبادرة وزير الخارجية الصيني السابق، وانغ يي لعام 2021، أو ما عُرِف بـ “خطة النقاط الخمس” بشأن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

فور توقيع الاتفاق السعودي- الإيراني، هرع المحللون الغربيون إلى قرع جرس الإنذار بشأن ما وصفوه بـ “الإعلان المفاجئ”، وما سوف يترتب عن الوساطة الصينية الملفتة من تداعيات على مستوى الشرق الأوسط، وفي أكثر من اتجاه. على هذا الأساس، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى تحول في أدوار الفاعلين الدوليين في الشرق الأوسط، شارحة أنّ الأميركيين، وبعدما كانوا الفاعلين الرئيسيين في تلك المنطقة على مدى عقود، “يجدون أنفسهم اليوم مهمّشين”. في المقابل، تحوّل الصينيون، المعروفون بأدوارهم الثانوية هناك، إلى “اللاعب القوي الجديد” على الساحة الإقليمية، مدفوعين برغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتطوير علاقات الرياض مع بكين، وفق الصحيفة. وتكشف عن وجود حالة من الانزعاج الشديد في أوساط صانعي السياسة الأميركية إزاء “الدور السياسي والدبلوماسي الهائل” الذي باتت تلعبه بكين على وقع نجاح الوساطة الصينية بين الرياض وطهران.

الشرق الأوسط: الميدان المفتوح لمقارعة واشنطن


وألمحت الصحيفة الأميركية إلى أن توجه السعودية لتوثيق روابطها مع الصين، جاء بعدما وجدت إدارة الرئيس بايدن أن مطالب الرياض، والتي تشمل عدم وضع قيود على صادرات الأسلحة الأميركية إلى المملكة، ومساعدتها على تطوير برنامج نووي، إضافة إلى إعطائها ضمانات أمنية، هي مطالب “أكبر مما لدى واشنطن من استعداد لتقديمه” لحليفتها الخليجية.
ولعرض جانب من تلك التداعيات، يشير الباحث في مركز “أتلانتيك كاونسيل” للبحوث، جوناثان فولتون إلى أن الصين تود، من خلال رعاية الاتفاق، أن تظهر أنها باتت مستعدة للقيام بدور أكبر في المنطقة، مشدّدًا على أن ذلك “قد يمثل أحد المؤشرات على ثقتها المتزايدة بشأن قوة حضورها الإقليمي، وعلى أنها باتت تعتقد أن المجال بات مفتوحًا أمامها لتحدي الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط”. ويجزم فولتون بأن ما جرى يعد “انتصارًا دبلوماسيًا للصين، وتحولًا ملحوظًا في مقاربتها لملفات المنطقة” في إشارة إلى النهج الدبلوماسي الحذر، الذي غالبًا ما حمل طابعًا تجاريًا، والأقرب إلى الحياد السلبي في معظم الملفات الدولية، المألوف صينيًا.

بدوره، يتوقف السفير الأميركي السابق لدى “إسرائيل” ومصر، دانيال كيرتزر، عند الديناميات المتغيرة التي يعكسها الاتفاق، على مستوى الشرق الأوسط، موضحًا أنه “يشكل تحديًا لإدارة بايدن، في وقت تفضل فيه تحويل تركيزها إلى ساحات (دولية) أخرى”. ويعقّب بالإشارة إلى أن الاتفاق يعبّر عن مدى براعة الصينيين في توظيف الغضب السعودي من واشنطن، والفراغ الإقليمي الذي أوجده انكفاء الأخيرة عن المنطقة. ويضيف أنّ ما فعلته السعودية “يعكس كيفية ذهاب حلفاء واشنطن في تدشين انعطافتهم نحو الصين”. ويتساءل كيرتزر عمّا إذا كانت تلك الانعطافة تحمل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة، مستدركًا بالقول إن “النظام الإقليمي (الشرق أوسطي) يتغير”.

التنافس الأميركي الصيني: إلى ما وراء “الباسيفيك”


أما نائبة مدير الأبحاث في منظمة “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط” إيمي هوثورن، فتؤكد أن دور الصين في التقارب الإيراني- السعودي يعد “انجازًا دبلوماسيًا مهيبًا لا لُبس فيه” و”أكثر أهمية بما لا يقاس من كافة المكتسبات (الدبلوماسية) التي حققتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة منذ وصوله إلى سدة الرئاسة”. وعن الأبعاد الدولية للاتفاق الإقليمي، تقول نائبة الرئيس التنفيذي للسياسة في مركز التقدم الأمريكي والمبعوث السابق للشرق الأوسط في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أن ما حدث “هو بمثابة تذكير بأن التنافس (الصيني- الأميركي) إنما يدور على المسرح العالمي ككل، وأنه تنافس لا يقتصر بأي حال من الأحوال فقط على منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، معتبرة أنّ التنافس بين الصين، والولايات المتحدة بات يشمل كافة جوانب الاقتصاد والأمن والدبلوماسية.

وعلى المقلب السعودي، ثمة من يرى في الرعاية الصينية للاتفاق عنصرًا ضامنًا لنجاحها، وديمومتها، بالنظر إلى علاقات الصين الجيدة مع إيران، وهو الأمر الذي لا يتوفر لدى دول أخرى، بخاصة الولايات المتحدة. من هذا المنطلق، يلفت المحلل السياسي السعودي علي الشهابي، المعروف بصلاته بدوائر رسمية سعودية، أن اضطلاع بكين بدور “الأب الروحي” للتقارب بين بلاده وإيران، “يحتل أهمية وازنة” كعنصر ضامن، ويشكل “عنصر راحة وطمأنينة” للقيادة السعودية، بالنظر إلى النفوذ السياسي، والاقتصادي الذي تتمتع به “الجمهورية الشيوعية” داخل إيران. من جهته، يلمح الباحث المتخصص في دراسات الشرق الأوسط في “مجلس العلاقات الخارجية” الأميركي، ستيفن كوك، إلى تنامي تيار شعبي داخل السعودية، يرى أن العالم دخل في “العصر الصيني” أو “القرن الصيني”، مستدلًّا على ذلك بوجود توجه رسمي مصاحب له يتطلع إلى انضمام الرياض إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، على وقع تنامي العلاقات التجارية بين بكين والرياض، لا سيما في مجال النفط. كذلك على الجانب الإيراني، تنطلق دوافع الحكومة في طهران في الركون إلى الوساطة الصينية، لحل خلافاتها مع الرياض، من هدفين أساسيين، يتعلق الأول برفع مستوى الانخراط الصيني بقضايا المنطقة، فيما يتعلق الثاني بتأمين تحالفات سياسية واقتصادية بديلة، على خلفية وقوعها تحت عزلة غربية.

اساسيالسعوديةالصينايرانبكين