حسيب قانصوه – الناشر |
قبل البدء بأي تفصيل أو تحليل أو إبداء رأي، لا بدّ وأن نشير الى أن أول وأهم مفاعيل الاتفاق الإيراني – السعودي هو تبريد الاحتقان وتخفيف حالة الحقد وتنفيس الغضب والغليان المذهبي بين المسلمين السّنة والمسلمين الشيعة في كافة الدول العربية والإسلامية، خاصة بعد نجاح هذا الزرع الفتنوي والمذهبي بين الطرفين في عملية اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري، وكل ما يأتي بعده هو تفصيل سياسي وعسكري واقتصادي له مفاعيله الخاصة على الجبهات الإقليمية والداخليةوالدولية.
ثانياً: إن أخطر ما في هذا الاتفاق هو عدم القدرة في المحافظة عليه من كافة المتضررين منه باعتباره نصرًا دبلوماسيًّا للجمهورية الإسلامية ومحورها وللعربية السعودية ومحورها، خاصة الحلفاء الفعليين لها وليس المنتفعين منها ماديًا ومعنويًا.
على الجبهة الإقليمية
من الطبيعي، والمصلحة للطرفين، بغطاء من الشريك أو الطرف الثالث (الصين)، أن تُحَلْ كل المشاكل العالقة بين الدولتين وامتدادات هذه المشاكل، كي لا تصاب مصلحتيهما بالأذى، خاصة عند عدم القدرة على إنتاج الحلول في المسارين الإقتصادي تحديدًا، والعسكري، باعتبار أن الجبهات المفتوحة بين بعض دول المحور، عسكريًا وسياسًا، لا بدّ من إقفالها، سواء في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، بموافقة أو عدم موافقة الطرف الأميركي، ولا نظنّ أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المتّجه وباستدارة قوية نحو الصين، ينتظر مثل هذه الموافقة، وهذا يعدّ نقلة نوعية وسابقة سعودية في تاريخ المملكة وعلاقتها بالأميركيين منذ نشأتها حتى اليوم. إذ لم يتّخذ ملك آخر خطوة من هذا النوع عبر هذا التاريخ كلّه، باستثناء الراحل الملك فيصل، الذي هدّد يومًا بقطع النفط عن الولايات المتحدة والغرب كلّه.
على الجبهة الداخلية
من الطبيعي أن تتأثر المشكلة اللبنانية، خاصة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية. فإن المملكة لا تلغي الإتفاق أو توقف حلّ مشاكلها الباقية إكرامًا للمنتفعين ماديًا، ومصلحتها تقضي بتهميش هؤلاء، إنْ لم نقل التضحية بهم، وهي لا تقيم لهم وزنًا عند حل مشكلة اليمن مثلًا، وتحقيق الأمن الاقتصادي والإجتماعي والعسكري لمصلحة العربية السعودية واليمن على السواء، وهذه أهم مشاكل المملكة على الصعيد الداخلي، خاصة وأن ولي العهد يتطلّع إلى مملكة منفتحة على كل بلاد العالم، تمامًا كما هي إمارة دبي التي يحكمها الأمير الشيخ محمد بن راشد، وكلاهما يتنافسان على خدمة بلديهما وشعبيهما ويطمحان لأن تكون السعودية والإمارات في مصاف دول العالم الأول من حيث التقنية والحضارة وتلاقي مصالح الدول كافة، وللوصول الى ذلك يهم الأمير محمد بن سلمان أن يتخلّص من المشاكل المحيطة ببلاده، خاصة الحرب مع جيرانه اليمنيين التي كانت كلفة إشعالها غالية هناك للفريقين على السواء .من هنا، ستكون خسارة المنتفعين في لبنان حتمية لأن التعليمات عبر السفير البخاري، ستقضي باكتمال النصاب لانتخاب مرشح الثنائي أو المدعوم ثنائيًا رئيسًا للجمهورية.
الخطوة التالية لبنانيًا
في محاولة للسيطرة على انهيار الوضع الاقتصادي وتحديدًا الليرة اللبنانية، لا بدّ من تغيير حاكم مصرف لبنان والمنظومة التابعة له، وقد تصل الأمور الى إعادة تفعيل دور المملكة إيجايًا في الداخل اللبناني ووضع وديعة سعودية في مصرف لبنان تساعد على دعم الليرة من التفلّت والانهيار، وقد يبدأ السعي لحل مشكلة المودعين وإعادة الثقة للمصارف اللبنانية، إنْ لم تكن الولايات المتحدة هي الأقوى في إعادة فرض الفوضى بالقوّة عن طريق عملائها الذين هم على استعداد لنقل البارودة من كتف الى كتف والتخلّي عن المملكة لمصلحة أميركا و”إسرائيل” في مواجهة الاتفاق، والعمل على إلغائه، وهذه ستكون حربًا دبلوماسية مخفيّة وغير معلنة بين أميركا والصين، وهنا يكمن دور رعاة الاتفاق الثلاثة في القدرة على المحافظة عليه أو الخسارة، وإنْ حصلت لا سمح الله، ستقلب كل الموازين الأمنية في المنطقة، ويبدأ العد العكسي لبقاء الكيان الغاصب من عدمه، وهو المتجه نحو الزوال بمساعدة الوضع الداخلي المأزوم بين اليهود الغربيين والشرقيين وان لناظره قريب.
على الجبهة الدولية
إذا توصّل الطرفان الى حلِّ، وليس الى حلحلة الأمور العالقة على كامل خطوط المحور الإقليمي، هذا سيفرض إعادة ترتيب البيت الخارجي بدءًا من الولايات المتحدة مرورًا بالكيان الغاصب في فلسطين وصولًا الى فرنسا وبريطانيا وكل دول محور الغرب، شرط ألا تدخل الشياطين في تفاصيل تنفيذ الاتفاق، وهذا يعطي دفعًا قويًا للإسراع في إنهاء حالة الحرب في أوكرانيا لمصلحة روسيا (بوتين). وفي حالة طبيعية، سبصبح الأطراف الشركاء في الاتفاق أربعة وليس ثلاثة، وهذا يتطلّب زيادةً وحدّةً في المواجهة، وهنا نعيد السؤال: هل يتمكّن أطراف الاتفاق من الحفاظ عليه كاملًا؟ أم أن قانون قيصرٍ جديد سيُعوَّم مكانه؟