خيبة العقال وزهو العمامة

إسحاق المساوى* – الناشر |

فتح ولي العهد السعودي صفحة جديدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد سبعة أعوام من القطع بعدم جدوى التفاهم معها بل واستحالته، للأسباب التي نستحضرها هنا للتذكير بتناقضات الدعاية السعودية مع نفسها والتاريخ والحاضر والمستقبل.

ففي ظل استئناف الدولتين السعودية والإيرانية علاقتيهما برعاية صينية، لا يهدف استحضارنا لأغرب دعاية العصر المتناقضة القول إن آخر مبررات العدوان على اليمن قد سقط، ولا يعني تحيزاً لفكرة أو قضية بعينها، بل هو بالمقام الأول سرد مُسَلٍ لمتعصب أعمى حان أن ينيخ ركابه لمراجعة النفس والموقف.

لا تحتاج إيران دعاية مضادة للدعاية السعودية، إذ يكفيها رجل كابن سلمان يصنع الشيء ونقيضه. فمثله الذي قال سابقاً: “لا أستطيع أن أتفاهم مع دولة تؤمن بالمهدي” هو نفسه يقول اليوم: “من الأفضل أن نبحث مع الإيرانيين عن سُبل للتعايش”. ويؤكد: “الإيرانيون جيراننا وسيبقون جيراننا، لا نستطيع الاستغناء عنهم”.

لا يقتصر تناقض بن سلمان مع نفسه فقط، بل مع تاريخ ديني، وآخر سياسي دخلهما اعتباطاً لكسب تأييد “إسرائيل”، حين استدعى “المهدي” وحذر قائلاً: “لا نريد أن يكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا” إذ لم تسعفه معارفه المحدودة جداً للتحقق من كون السنة التي يعترف بوجودها في مملكته قد أقرت بـ “المهدي” بينما كان لمملكته علاقات وطيدة مع النازية وصلت حد تلقيب هتلر: “بالرسول”.

المصادر السنية تؤمن بـ “المهدي” من نسل (فاطمة الزهراء) كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء. وتجمع على أنه “رجل يبعثه الله ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً”. وتورد تصوراتها عن البروتكول بالمفهوم الحديث لما يسمونه (مبايعة المهدي بين الركن والمقام). فهل يتناكر ابن سلمان على التاريخ والإسلام؟ وعلى شيخ الوهابية ابن باز بقوله بـ “المهدي المنتظر مهدي الحق”. والأهم أن الاستدلال على المهدي من مراجع السنة نفسها لا يعني التحيز لفكرة بعينها بقدر ما هو استدلال على أمير برتبة “فارغ عقل”.

مشكلة ابن سلمان مع المهدي، كانت بالنسبة لرموز الحكم السياسي السني حلاً، فالخليفة العباسي عبدالله (أبو جعفر المنصور) سمى ولده محمد ولقبه بـ “المهدي” حينها ظهر رأي عند الفقهاء مستنداً إلى “حديث نبوي” يقول “منا المهدي” على أن المقصود بهذا الحديث هو الخليفة العباسي (المهدي).

هناك مفارقات تاريخية تستحق تذكير ابن سلمان أيضاً، فمنصب (ولي العهد) الذي يشغله حالياً كان تشريعاً رومانياً وفارسياً عند القياصرة والأكاسرة، وقد استنسخ (معاوية) هذا التشريع لابنه يزيد، فوصفه عبد الرحمن بن أبي بكر مستنكراً بأنه تشريع “هرقلي وكسروي”. أما العمامة لدى الايرانيين التي تعيرهم بها الدعاية السعودية كان عمر بن الخطاب يعتبرها رمزاً سياسياً يتفاخر بالقول عنها “العمائم تيجان العرب”.

لم تسعف معارف ابن سلمان لمغازلة إسرائيل حين تساءل: “كيف أتفاهم مع دولة تؤمن بالمهدي” أن لدى اليهود فكرة “المخلص” حول عودة المسيح الدجال، في حين أن الانجلو صهيونية تؤمن أيضاً بعودة “المسيح بن مريم بعد أن يُوَطّنَ اليهود في فلسطين”.

دعاية ابن سلمان الدينية ضد إيران كانت خالية الدسم بالنسبة لليهود وخاوية المفعول والتوظيف أيضاً. لم تمنحه مقعداً متقدماً عن الإمارات بقطار التطبيع، فاعتقد أنه بحاجة أن يغرف من جالوناتها المزيد قرباً وشفاعة، لكنه أخفق مرة أخرى.

إذ استدعى ابن سلمان تاريخ اليهود مع هتلر، واصفاً المرشد الأعلى في إيران بأنَّه “هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط”. وبدى حينها مبالغاً في مخاوفه حين قال: “لا نريد أن يكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا”. إذ أن المرشد الأعلى حد تمادي بن سلمان “أسوأ من الزعيم النازي هتلر، الذي حاول غزو أوروبا فقط، بينما خامنئي يريد غزو العالم كله”.

مرة أخرى يعيدنا ورع التاريخ إلى البحث عن خبايا العلاقة النازية السعودية، ففي العام 1939م زار وفد سعودي رفيع الزعيم النازي هتلر في مقرّه بأعلى الجبال في بركتسجادين، للاتفاق على صفقة أسلحة تقدر بـ 8000 بندقية و8 ملايين عيار ناري كان من المقرر أن يذهب بعضها إلى الفلسطينيين لمقاتلة اليهود.

وقد بلغ بانتشاء خالد الهود مندوب الملك عبدالعزيز آل سعود خلال لقاء آخر مع هتلر أن يقول: “إن معارك هتلر ضد اليهود ليست إلاّ تكراراً لمعارك الرسول ضد اليهود في المدينة”. وما لا يعرفه ابن سلمان أيضاً أن الملك الراحل عبدالله كان يصطحب الوفود الزائرة إلى المملكة بما فيها الأمريكية إلى متحف لاستعراض خنجر أهداه هتلر للسعودية.

لا تحتاج إيران دعاية مضادة، إذ يكفيها رجل كابن سلمان يصنع الشيء ونقيضه. فمثله الذي قال سابقاً: لا أستطيع أن أتفاهم مع دولة تؤمن بالمهدي. هو نفسه يقول اليوم: “من الأفضل أن نبحث مع الإيرانيين عن سُبل لنتمكن من التعايش”. ويؤكد: “الإيرانيون جيراننا وسيبقون جيراننا، لا نستطيع الاستغناء عنهم”.

قد يكون ابن سلمان “مجنون متطرف” في خصوماته وصداقاته، وهو بالمفهوم السياسي “رجل مضطرب” لكن هل ستكون مواقفه العدائية ضد إيران والجوار والإقليم والعالم آخر تفحيط يخوضه بعد اليوم؟

* صحفي يمني مهتم بالشأن السعودي

اساسيالسعوديةاليمنايران