حسيب قانصوه – خاص الناشر |
قبل أن يقوم الكيان الغاصب في فلسطين، وقبل أن تتبلور خيوط المؤامرة التي أسّس لها الصهيوني هرتزل، وقبل مؤتمر العام ١٨٩٥ برئاسته، وعندما رفض السلطان العثماني طلبه بإعطاء اليهود وطنًا قوميًا لهم في فلسطين، وبعد نجاح الماسونية الصهيونية في بريطانيا بالضحك على العرب ووقوفهم في الحرب معها ضد السلطة العثمانية بحجة قيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الملك فيصل الأول ونجاح بريطانيا وفرنسا وحلفائهما والقضاء على الإمبراطورية العثمانية وطردها من العالم العربي وعدم اعطاء فيصل ما وعده به الإنكليز والفرنسيون، وبعد قيام معاهدة سايكس بيكو وتقسيم العالم العربي الى دويلات متناحرة خاصة شبه الجزيرة العربية، وبعد صدور وعد بلفور وإعطاء فلسطين رسميًا لليهود وبداية وصول جماعات الهاغانا وشراء الأراضي من الفلسطينيين والقيام بحملات عسكرية ومجازر بالسكان هناك وفي بعض القرى اللبنانية أيضًا، كان القتل والذبح والاغتصاب والتشريد برامج يومية يقوم بها الغزاة الجدد للترهيب والترحيل لأصحاب الأرض تمامًا كما فعل اللاجئون الأوروبيون الى أميركا بأصحاب الأرض هناك “الهنود الحمر”، قتلوا وذبحوا وهجّروا وشرّدوا أهل الأرض ونزعوا عنهم صفة المواطنين الأصليين، وهكذا أيضًا حدث في فلسطين ولأهل فلسطين. وهذا ليس إلاّ بسبب التخاذل العربي و”الهبل” العربي والعمالة العربية وإرهاب المحتل التركي وطغيانه في زمن كان باستطاعته أن يجعل من الدول العربية سندًا وقوّة له كما كان من المفروض بدل أن يقيم الإرهاب والدمار أن يترك أثرًا وحضارة تليق بإمبراطوريته، لكن ما حدث ليس إلًا سبب مباشر لنصرة الصهاينة وفتح المجال لهم في الدخول الى فلسطين واحتلالها وقيام دولة الكيان الغاصب على أرضها.
عبر هذا التاريخ الطويل وعبر كل الدروب والمحطات التي مرّ فيها الصهاينة ووصلوا بدولتهم المزعومة الى أن تكون يومًا أقوى دولة عسكريًا بين دول العالم العربي أو قل مجتمعين، وأن تدّعي لنفسها يومًا أن جيشها لا يقهر وهي كانت تثبت ذلك عبر حروب وغزوات في أكثر الدول العربية ساعة تشاء وكيف تشاء، وما حقّقته في العام ١٩٦٧ والعام ١٩٨٢ كادت أن تجعل من جيوش العالم العربي لعبة تلعب بها ومعها ساعة وكيف تشاء.
عبر هذا التاريخ، عدا مسرحية ١٩٧٣ الساداتية، لم يشعر المستوطن الصهيوني بأي خذلان أو انكسار أو خسارة أو تفرقة عرقية بين الأشكيناز والسفرديم، علمًا أن هناك فوارق طبقية ومذهبية كبيرة وفيها مساحات واسعة من الكره الشديد فيما بينهم، فاليهود الغربيون واليهود الشرقيون لم تظهر عداوتهم لبعضهم البعض يومًا أو لحظة كما هي اليوم.
بدأ الخلل والخوف والخذلان والانكسار عند الصهاينة في فلسطين مباشرة بعد حرب تموز العام ١٩٩٣ وحرب نيسان العام ١٩٩٦ عندما بدأ القادة الصهاينة بدعوة رجال الأعمال والمستثمرين الى المجيء برساميلهم ومعاملهم الى تل أبيب وتشغيل اليد العاملة ودعم الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أوسع زيادة عن ضريبة العشرين بالمئة التي يدفعها سنويًا أي رجل أعمال من أرباحه وعلى أي أرض يعيش سواء في أميركا أو البرازيل أو سوريا أو لبنان أو في اليمن أو في إيران أو أي دولة أو مكان في المعمورة.
كان ردّ رجال الأعمال الصهاينة واليهود، على أي أساس توجهون لنا الدعوة للمجيء برساميلنا ومعاملنا ونحن نرى أن الانحدار واللا أمان باتا عائقًا لنا وحافزًا في رفض طلب دولة “اسرائيل”. وهذه ليست حكايات سرد بل كلام رجال أعمال يهود لبنانيين في ايطاليا.
إذًا، قبل الألفين، أي قبل التحرير، كان هذا هو الموقف الصحيح الذي اتخذه رجال الأعمال الصهاينة في الغرب، وكان الإسرائيليون وكافة المستوطنين ما زالوا يعيشون بعضًا من خرافات يزرعها فيهم قادتهم أنهم الأقوى، ولم تبدأ بعد انتفاضة الأقصى ولم تقم بعد حرب تموز العام ٢٠٠٦ وما تلاها. وللتذكير إن حادثة انصارية التي هزّت الكيان والعالم المتحالف معه كانت الخطوة الأولى التي شعر فيها الصهاينة بأنهم يحفرون قبورهم بأيديهم وأن جيش الدفاع الذي لا يُقهر أصبح كالفئران يهرب من المقاومة بين البساتين.
كل الانكسارات التي مرّت على الكيان لم يهتز ولم يتأثر ولم يفكّر رجال الأعمال فيه أو المستوطنون أيًا كانوا ومن أين جاؤوا بالرحيل ومغادرة الكيان المزعوم. إنها أرض الميعاد كما يفكرون اليوم بعد كشف المستور وظهور الخلافات العرقية والمذهبية والطبقية وهي تطفو حتى الآن على وجه الماء. مظاهرات وقتال بالكلام والإعلام وإظهار مساوئ كل عرق أو طرف واللعب على المكشوف بين نتنياهو وخصومه ومحاولة تدمير القضاء لينجو ولو برأسه وحيدًا. وما تعيين وزير داخليته من السفرديم إلاّ لعنة أصابت الأشكيناز في الصميم، هؤلاء الذين اعتبروا أن توزير هذا الرجل ليس إلاّ بداية لقلب الطاولة على رؤوسهم وتسلم الحكم داخل الكيان ليس إلاّ لعنة أصابهم بها نتنياهو ليؤلف حكومة كما يهوى وينال ثقة الكنيست الإسرائيلي، وهذا ما حدث، وما ينتظره الإسرائيليون أشد وأخطر مما حصل العام ١٩٧٥ في لبنان أو مذبحة أيلول الأسود في الأردن، خاصة أنهم موعودون بالخراب الثالث.
من هنا تنطلق دعوتنا ومن هنا تنطلق صرختنا ومن هنا يبدأ التصميم لتكون بداية الرحيل.
أيها الصهاينة، ليس حبًا بكم وأنتم لا تقيمون للأخلاق والإنسانية أي اعتبار، وليس حبًا بكم وأنتم قتلة الأطفال والنساء والشيوخ، وليس حبًا بكم وأنتم عبدة المال وقادة في الإرهاب، وليس حبًا بكم وأنتم المغتصبون لأرض كنعان ويعقوب، ويعقوب منكم براء، وليس حبًا بكم، لكن أخلاقنا الإسلامية التي نتميّز بها وأنتم تعرفون هذا جيدًا وتعرفون أيضًا أننا نُكرِم الأسير وأنتم لستم أهلًا لهذا، فوالله دعوتنا لكم وصراخنا بكم، أن احملوا ما طاب لكم من ذهب ومال وعيال قبل فوات الأوان وقبل أن تقصّروا في الهرب والرحيل فرادى وكي لا ترموا أنفسكم أنتم في البحر خوفًا، ارحلوا قبل فوات الأوان وعودوا من حيث أتيتم فوالله ان الغرب والأميركيين وحكومتكم الخفية جعلوكم مشجبًا ليعلّقوا عليكم كل تاريخ صراعاتهم مع الطرف الآخر. لا تكونوا طعمًا سهلا ولا تكونوا كبش فداء لهم وعنهم، ارحلوا قبل فوات الأوان وأنتم تعرفون جيدًا أن بداية نهاية وجود كيانكم الغاصب قد بدأت فلا تكونوا محرقة وأنتم واثقون أيضًا أن كيانكم لم يعد يقوَى على النهوض أو الاستمرار خاصة بعد أن زرع الأشكيناز بينكم وبينهم نارًا لا يطفئها حتى من أشعل فيها عود الكبريت الأول. نصيحتنا لكم أن الفرصة ما زالت مؤاتية للرحيل قبل أن تقوم المعركة الأخيرة بينكم وبين رجال أولي بأس شديد.
آخر نداء لكم: ارحلوا بسلام قبل أن تُرحّلوا كما رحّلتم أصحاب الأرض العام ١٩٤٨م.