شكلت الإتفاقية السعودية الإيرانية التي رعتها بكين، نوعًا من الإنقلاب في الجغرافيا السياسية في غرب آسيا، ومقاربة جديدة للتعاطي مع الدول العظمى. فقد استطاعت الصين أن تعيد العلاقات ما بين أكبر دولتين في الإقليم، فما هي خلفيات هذه الإتفاقية؟
بعد أن كانت تجري المحادثات الإيرانية السعودية في العراق وبوساطة عراقية وانتهت بدون إعلان أي نتائج، فكما يبدو، استطاعت الدبلوماسية الصينية إيجاد حبكة مرضية للدولتين بإعادة العلاقات فيما بينهما، وذلك بعد زيارة الرئيس الصيني للسعودية، وزيارة الرئيس الإيراني للصين.
فإذا نظرنا إلى المكسب الصيني نرى أن عقيدة دبلوماسية الوساطة الصينية أعطت الصين دفعًا كبيرًا على صعيد الصورة العالمية، وأنها تدخل الى العالم المشتبك والمتوتر بذكاء وفطنة وتسحب هذه الصورة من الولايات المتحدة التي كانت حلولها قائمة على الفرض بالقوة والتهديد.
أما المكسب الإيراني كنقطة أولى فهو أن العزلة التي تريد الولايات المتحدة تشديدها وفرضها على إيران قد بدأت تتلاشى وخاصة مع حليف أساسي للولايات المتحدة كالسعودية.
وإذا نظرنا إلى المكسب السعودي فإن رؤية 2030 أصبحت هاجس بن سلمان الأول وتنفيذها قائم بشكل أساسي على شقين أمني وإقتصادي، فالجانب الأمني مرتبط بشكل وثيق بالحرب في اليمن والتهديد المتزايد الذي تشكله قوة صنعاء تجاه المملكة بحيث أن القوة الصاروخية المتنامية لأنصار الله تستطيع في أي لحظة شل الإقتصاد السعودي المعتمد الى وقتنا الحالي على الصادرات النفطية، وكذلك، فإن الإتفاقيات الإقتصادية مع الصين بخصوص تطوير البنية التحتية السعودية لا تستطيع العمل إلا في جو آمن وكذلك تحقيق المردود الإقتصادي على الدولتين.
لذا، فإن تحصيل الأمن الإقليمي مرتبط بشكل كلي بالتهدئة بين الدولتين الجارتين التي تتصادم في الكثير من الملفات وفي نفس الوقت هناك ملفات ثانية خاملة يستطيعون الإتفاق عليها، وعلى رأسها الملف الإقتصادي الذي يضمن للسعودية تنويع مصادرها الإقتصادية ويمنح إيران طرق إضافية لتكسر حلقات الحصار الإقتصادي.
خلال زيارة الرئيس الإيراني الى بكين كان إقليم غرب أسيا أساسيًا في المحادثات وتم الإتفاق على تخفيف التوترات وإعادة بناء الثقة بين دول المنطقة، واتفقوا أن تكون بكين ملتقى للحوار بين السعودية وإيران وتم الإتفاق على ارسال وفود رفيعة المستوى وبالفعل كانت المحادثات مكثفة وأكثر جدية عن سابقتها التي جرت سواء في العراق أو في غيرها من الدول.
يأتي التوقيت الآن مع ازدياد التوترات العالمية من شرق أوكرانيا الى شرق آسيا وقد أصبحت صورة الولايات المتحدة عند الكثير من حلفائها بأنها شريك غير موثوق خاصة عند تخليها عن حلفائها وآخرهم النظام الأفغاني السابق وهذا ما قد يحدث مع الأوكران وحدث الى حد ما مع السعوديين أنفسهم خلال الحرب مع اليمن وعدم تجاوب الأميركيين معهم بإرسال المزيد من الأسلحة خاصة تلك المعنية بالدفاع الجوي لحماية أجواء السعودية من الصواريخ اليمينة.
ما يقرأ من هذا التحول أن السياسة الخارجية السعودية قد تحولت وتغيرت ولم تعد تلك السياسة التي رسمت مع روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية، وما يقرأ أيضًا أن إتفاقيات ابرهام التي حاول الأمبركيون تسويقها وإدخال “إسرائيل” ضمنها لتشكيل طيف حماية لها يضم دول الخليج لم تفلح في إيجاد المخرج الذي تمناه الأميركيون. كذلك فإن الصراع المحلي والثنائي بين دول الخليج على السياسات الخارجية وبناها المتغيره أحدثت سباقًا فيما بينها مع دخول الصين الى غرب آسيا كعامل مطور للإقتصاد وتنميته بعدما أصبحت إقتصاديات دول الخليج في حالة مراوحة.
إذًا، كإحاطة مبدئية لهذا الحدث، نرى أن الصين استطاعت بعامل الوساطة الدبلوماسية تأمين اتفاقية بين البلدين والجهتين لها مكاسب ها، ونستطيع القول إن نظام رابح رابح الإقتصادي الصيني قد طبق في الدبلوماسية وأعطى هذه النتيجة، وكذلك نشير إلى أن الإنزعاج الإسرائيلي الذي بدأ يعبر عنه شخصيات إسرائيلية مختلفة يظهر بوضوح أن الإيراني استطاع بهذه الإتفاقية إحداث ثغرة جديدة في إطار العلاقات الدولية التي رسمتها الولايات المتحدة في المنطقة والتي صيغت لزيادة عزلة الجمهورية الإسلامية.