تركيا… الانتخابات ومئوية الجمهورية و”كارثة القرن”

لا يشبه العام الحالي، أي من أعوام الجمهورية التركية… زلزال هو الأقسى من نوعه في تاريخ الأناضول الحديث، وتضخم اقتصادي لا تنكره الحكومة، وانتخابات رئاسية ونيابية تبدو حامية الوطيس أمام شهية المعارضة لاكتساب أصوات أكبر على أنقاض زلزال قهرمان مرعش وما تبعه من هزات إرتدادية منذ السادس من شهر شباط/فبراير.

انتهى العام الماضي، عام الخروج الرسمي من تبعات جائحة كورونا وقيودها، لتحمل معها الدولة بأجهزتها الحاكمة شعار “مئوية الجمهورية” (1923-2023)، عنوانًا للنهضة الجديدة في هذه البلاد، لكن الاحتفالية المتوقعة، التي تحضر لها جيدًا الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية وحلفائهما، تلقت ضربتها العنيفة بقوة “كارثة القرن” التي تجاوزت أهوالها حدود المألوف في عشر ولايات في الجنوب التركي.

“نواجه إحدى أكبر الكوارث ليس في تاريخ جمهوريتنا فحسب، بل في منطقتنا والعالم” كلام لإردوغان في اليوم الثاني للزلزال عند إقراره حال الطوارىء في ولايات أضنة، وأدي يمان، وديار بكر، وغازي عنتاب، وهاتاي، وقهرمان مرعش، وكيليس، وملاطية، وعثمانية، وشانلي أورفة، لكن الخطوة التي شملت الولايات العشر (بواقع أكثر من 13 مليون مواطن تأثروا مباشرة بالزلزال) لم تقف حائلًا أو مبررًا لتأجيل الانتخابات المقررة في 14 أيار/مايو على الرغم من ملامسة الفاصل الزمني (3 أشهر) حد الموعد الرسمي للاستحقاق الهام.

هي فرصة سانحة كانت للرئيس التركي وفريقه أن يستفيدا منها للقفز فوق المواعيد الدستورية بذريعة لملمة آثار الكارثة، لكن إردوغان خالف التوقعات عندما أصر على إجراء الانتخابات في موعدها، ربما لأن الرئيس المخضرم يعلم أن المعارضة التي تواجهه مشتتة (وهو الذي لطالما أكد، خلال خطاباته الانتخابية، على حتمية إنفراط عقد المعارضة)، الأمر الذي حدث بالفعل عند أول احتكاك مفصلي على “الطاولة السداسية” (تحالف الأحزاب الستة المعارضة) في 3 آذار/مارس مع خروج ثاني حزب معارض من الائتلاف، وهو حزب “الجيد”، بقيادة ميرال أكشنار التي قلبت “الطاولة” بعد رفضها الموافقة على ترشح رئيس حزب الشعب الجمهوري (أكبر حزب معارض) كمال كيليتشدار أوغلو عن تحالف الأحزاب إلى منصب رئاسة الجمهورية.

تشظي “الطاولة” المعارضة عالجه كيليتشدار أوغلو بالطلب من الشعب التركي الاطمئنان لقدرته على “هزم إردوغان وآلات إردوغان الدعائية”، وإذ يتكئ الزعيم العلماني على تجربة الانتخابات البلدية (فوز حزبه ببلدية العاصمة السياسية أنقرة والتاريخية اسطنبول)، إلا أن حظوظ رئيس حزب الشعب الجمهوري لا تتأثر، فقط، بانشقاق حزب “الجيد” عن تحالف المعارضة، فالشخصية السياسية لزعيم أقوى أحزاب المعارضة ترتبط بإرثه السياسي كونه أبرز المدافعين عن “قيم العلمانية”(وفق مبادئ مؤسس الجمهورية كمال اتاتورك)، وانتمائه إلى الطائفة العلوية، وهي مزايا قد تتعارض مع النمط العام الذي تقدمه المؤسسات الرسمية (وعلى رأسها رمزية رئاسة الجمهورية) بوصف تركيا دولة مسلمة سنية، تلعب دورًا تنافسيًا مع الدول الساعية إلى قيادة العالم الإسلامي.

خروج أكشنار على تحالف المعارضة الذي “لم يعد يعكس الإرادة الوطنية”، لاقاه رئيس حزب “الوطن” (المعارض للحكومة وللطاولة في آن) محرم إنجه (الخارج من عباءة حزب الشعب الجمهوري بعد أن كان مرشحه كـ”اختيار آمن” للرئاسة في انتخابات 2018) بدعوة زعيمة “الجيد” (في حوار تلفزيوني) إلى أن تكون رئيسة للوزراء بعد فوزه بالانتخابات القادمة (الواثق بربحها)، وهو الذي قال سابقاً أن تعددية المرشحين “فرصة أكبر لوصول منافس لإردوغان” الذي يشغل منصب الرئاسة منذ 2014.

وبين شخصية كيليتشدار أوغلو غير المعلومة النتائج، وتجربة إنجه الأخيرة بنسبة 31% مقابل 53% من الأصوات المقترعين لإردوغان في الانتخابات السابقة، يبدو أن تشتت المعارضة هو الفرس الرابح للرئيس التركي في السباق إلى أعلى منصب في الدولة، من دون أن ننسى أن زعيم حزب العدالة والتنمية قادر على الإيحاء بوفائه بوعود إعادة الإعمار والتعويض على المتضررين من الزلزال أكثر من أي أحد آخر من منافسيه وتجربة العقد الماضي (التي اتهمه فيه خصومه بالإفراط بالمشاريع) كانت كفيلة بإعطاء صورة، لدى جمهور واسع من الأتراك، عن قدرته في إنجاز ما تعهد به عمرانياً وتنموياً، وإلى حد ما اقتصاديًا، على الرغم من موجة التضخم الأخيرة.

لكن نجاة إردوغان المحتملة، انتخابيًا، من “كارثة القرن”، لا تكتم حسرة من إنطفاء وهج “المئوية” التي كان يأمل “العدالة والتنمية” وأنصاره أن تتوج المسار الجديد للدولة (نتيجة 20 عاماً من حكم الحزب) بوضع الرئيس التركي عند منزلة تاريخية في بلاد الأناضول تصل إلى مصاف مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك… هي احتفالية، كانت حلم الذروة للزعيم الذي تأجل إلى حين الانتهاء من الحرب على تداعيات الزلزال، وهي حال تؤكد هيئة الطوارئ والكوارث التركية أنها “ستستمر لنحو سنتين” لا يعلم أحد ما الذي سيحصل فيهما بعد.

اردوغاناساسيتركيازلزال