عن “الإتّهام السياسي”.. وجوقات التضليل

الإتهام السياسي مصطلح مستجدّ على عالم الجريمة، لم يرد له ذكر في علم القانون الذي يفنّد مفهوم ومعنى الإتّهام وحدوده وحيثياته وظروفه، ولا في قواعد علم السياسة وملحقاتها. يمكن القول أنّ عبارة الإتهام السياسي هي تلطيف مركّب لكلمة الإفتراء حين تكون دواعي الإفتراء سياسية.

تحضر الإتهامات السياسية في لبنان عند كلّ محطة جرمية مهما كان حجمها ونوعها، وتُعتبر منهجية معتمدة لدى خصوم المقاومة في مقاربة كلّ حدث أمني أو جنائي يمرّ في البلد. وبالتالي يمكن القول أن الإتهام السياسي هو جزء من أدوات عمل أبواق عوكر وجمهورهم، وهو الوسيلة التي يعتمدها هؤلاء في تضليل الناس والقيام بالتحريض الطائفي والمذهبي علانية، بل شهد لبنان محطات كاد فيها الإتهام السياسي أن يؤدي إلى حرب أهلية لولا حكمة الأقوياء في البلد.

في الأيام القليلة الماضية، شهد الشمال اللبناني حادثة اختطاف كان ضحيّتها الشيخ أحمد الرفاعي، وتبيّن فيما بعد أنّ الشيخ قُتل بحسب بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وأن ثلاثة من الخاطفين الذين قاموا بعد الخطف بقتل المغدور هم من أقاربه، وأن الجريمة ناتجة عن خلافات عائلية بينهم وبين الشيخ الرفاعي.


القضية جنائية منذ لحظتها الأولى، ومنذ لحظتها الأولى أيضًا تحوّلت إلى منصّة يعتليها متأمركو البلد ويصوبون منها على حزب الله، من سمير جعجع الذي هرع لرفع دعاوى قضائية ضدّ الذين عبّروا عن ظنّهم بضلوعه في قضية مقتل إيلي لحود رافضًا ما سماه الإتهام السياسي إلى المدانة بجرم العمالة كيندا الخطيب التي كانت من المبادرين إلى التحريض على خلفية اختفاء الشيخ الرفاعي مرورًا بخالد الضاهر الذي يتحفنا بتحليلات لا تختلف كثيرًا عن مناماته الصاروخية، وبالطبع انضم إليهم جوقة من الطبالين الذين سارعوا إلى كيل التضليل والإفتراء دون إظهار أي قلق على مصير الضحية. بشكل أو بآخر، بدا بشكل جليّ أن هذه الجوقة غير معنية أصلًا بحقيقة ما جرى للشيخ الرفاعي، ولكنّها تستعجل الإستثمار المعتاد. وهي ليست المرّة الأولى التي بتم فبها الإستثمار بكلّ حدث يُمكن الاستفادة منه للتصويب على المقاومة.


بعيدًا عن خوض أيّ جدال حول الإتهام السياسي المتكرّر والذي كما في كلّ مرّة لا يمتّ للمنطق ولا للواقع بأي صلة،
وبعيدًا عن حقّ المتضررين من الإتهام السياسي بمقاضاة من افترى عليهم وضلّل الرأي العام مستخدمًا الموقف السياسي كذريعة لتوجيه التهم المشينة، ثمة أسئلة يطرحها المرء على جوقة الإتهامات السياسية، ويمكن عنونتها بمطالبتهم ببعض الخجل من أنفسهم أولًا، ومن جمهورهم لاحقًا. أوّلًا، ألا يبدو الإستعجال في تنميق التّهم المضلِّلة نوعًا من التستّر على المرتكِب؟ أليس من المخجل أن تكرّروا اتهامات لا أساس لها من الصحّة، وقابلة للإنكشاف عند أول مقاربة منطقية قانونية للجرم؟ وقبل ذلك كلّه، ما هو موقفكم فيما لو أدى خطاب الكراهية والتحريض الذي تتقنونه وتكررونه عند كل حادث إلى ردّ فعل اقتتالي في الشارع؟ هل تتبرأون من سكين القاتل أم تعترفوا بتعمّدكم التحريض وتهديد السلم الأهلي؟

الأجوبة المطلوبة هنا معروفة أصلًا. ولسنا بوارد انتظار مبررات مرتكبي الإفتراء المتعمد والممنهج، لكنّها محطة مناسبة لتذكير هؤلاء بأنّهم مرتكبون لفتنة، وأن هذه الفتنة لم تزل نائمة لأن مَن تصوّبون عليهم هم من ذوي الحكمة والبصيرة والذين بقوّتهم يستطيعون احتواء ارتكاباتكم بحيث يثبتون بلا جهد انفعالي أنّكم خائبون.. حتى في صناعة الافتراء وانتاج التضليل!

اساسيالشيخ الرفاعيسمير جعجع