نحن نقاتل: خطّ المواجهة الأوّل: “ستّات البيوت”

سهّلت منصّات التواصل إمكانية الوصول إلى عدد كبير من ربّات البيوت وسؤالهنّ عن كيفية تعاطيهنّ مع الأزمة، عن التغيرات التي طرأت على حياتهنّ وعن أساليبهنّ في مواجهتها. لم تكن الإجابات عادية، كانت أشبه بقصص يحكيها أبطالها، وهم يدركون بشكل أو بآخر أنّ لقصّتهن دورًا هامًا في صناعة الصمود بمواجهة الحرب الاقتصادية، دون أن يعين حقيقة أنّهن في هذه الحرب جنود على الجبهة الأمامية.

التجارب النسائية في هذا المجال تُدرّس: عودة إلى المونة المنزلية التي مهما علَت كلفتها اليوم تبقى أقل من شراء السلع الجاهزة. سيّدات شابات، زوجات حديثات العهد على مسؤولية الإدارة البيتية، عدن إلى وصفات الأمهات والجدّات بعد شيوع فكرة “شرايتو ولا تربايتو”. تقول رلا، العروس الجديدة، على حدّ تعريفها بنفسها كربّة منزل: كان من المخطّط أن نسكن في بيروت بعد زواجنا، لكنّ الأزمة فرضت أن نغيّر مخطّطنا وأن يكون منزلنا الزوجي هو بيت عائلة زوجي في القرية، والذي تستخدمه العائلة في الصيف وفي العطل. كان خيارًا جيّدًا إلّا أنّه فرض أن أترك عملي في بيروت. وبغياب فرص عمل لي في الجنوب، مررت بفترة عصيبة بسبب تزايد الضغط المعيشي وعجزي عن مساندة زوجي ماديًا. ولعلّ هذا التأزم كان دافعي الأوّل للتفنّن في تحضير المونة المنزلية، والتي صنعت فارقًا كبيرًا في المصاريف اليومية. صحيح أنّ الأمر ليس حلًّا جذريًا إلّا أنّنا استطعنا توفير ما كنّا ننفقه في السوبرماركت لشراء بعض الحاجات الغذائية. تخطّط رلا اليوم للبدء بمشروع صغير وهو تحضير وبيع المونة المنزلية، وتقول أنّ التجارب المشابهة حولها كثيرة وجميعها يعود بمردود مقبول. وتختم بمثل كانت تقوله جداتنا دائمًا “البحصة بتسند خابية”.

فاتن، نشرت على صفحتها الفايسبوكية صورة “قنديل زيت” مضاء. قالت أنّها وعائلتها أمضوا الصيف الماضي ليلاتهم على ضوء القنديل، نظرًا لانقطاع الكهرباء المتواصل. كتبت فوق الصورة ما معناه أنّ ليالي الصراع مع العدو على ضوء القنديل لن تدفعنا إلى التخلّي عن سلاح المقاومة بداعي حاجتنا للكهرباء. بالنسبة لفاتن، ما عبّرت عنه هو موقف طبيعيّ تقوله ابنة “الشريط المحتل” رغم صعوبة أن ترى أطفالها يقضون سهرات الصيف على العتمة.

إنه أسلوبها في القيام بدورها كسيّدة لا تخضعها حاجتها كربّة منزل للكهرباء ولا تكسر من وعيها الوطني. بكلمات قليلة حاولت أن تجعل من العتم الذي يخيّم على بيتها حصّتها من خوض المواجهة، ومن شدّ العزيمة ومن الصبر.

جمانة، أم لثلاثة أولاد من الجامعيين، جعلت من الأزمة درسًا في الاعتماد على النفس لأبنائها واحترفت من منزلها التعليم عن بعد بحيث تستطيع تغطية مصاريف المنزل فيما يقوم أولادها بدفع تكاليف دراستهم من عملهم الإضافي خلال فترة دراستهم. تقول أنّ الظروف الصعبة التي تسبّبت بها الأزمة كانت مصداق “يقينًا كلّه خير”، فعلى الرغم من الأعباء المتزايدة، إلّا أن روح التعاون والتعاضد ازدادت حضورًا ومكنت جميع أفراد الأسرة من تحمّل المسؤولية بالتكافل.

آية، سمر، فاطمة. أسماء كثيرة تتحدّث عن تجارب مضاعفة ساعات العمل أو العمل الإضافي ولا سيّما “اونلاين” من بيع الملابس والأغراض المنزلية إلى الأعمال المتعلقة بالترجمة وبالتدقيق اللّغوي واعتماد التعليم الخصوصي المنزلي كمدخول إضافي يعين أسرهنّ على العيش في ظلّ توحّش تكاليف كلّ شيء.

الأمثلة من بيئتنا المقاومة لا تُحصى، ففي كلّ بيت تقريبًا مثال حيّ على نساء خضن المواجهة المرّة وما زلن منتصرات فيها رغم الوجع المتزايد والضغط الذي يصبح مع كل يوم أثقل. عمليًا، خاضت النساء في مجتمعنا انجازًا نوعيًا في كيفية تحويل إدارة المنازل إلى خطّة طوارىء في حرب طويلة، وعرفن كيف تُصنع أسلحة المواجهة من مواد بيتيّة أساسها الصبر وبركتها اليقين.

اساسي