“الرّوح هي لي بتقاتل”، ولأنّها كذلك، كيف يقاتل مجتمعنا اليوم في ظلّ الحصار ومفاعيله وتداعياته؟ كيف يواجه الأزمة المتزايدة ثقلًا وحدّة؟ من يقف اليوم في خطّ المواجهة الأوّل؟ من يحيل التحديات المتواصلة فرصًا ترتدّ على الأميركي وتفقده نقاط قوّته؟ من يملك اليوم أن يدّعي أنّ الأزمة لم تفرض تغييرًا جذريًا في نمط حياته أو حتى في مفاهيمه وسلوكياته؟ كيف استحال الوجع سلاحًا والصّبر إلهامًا يُستقى من أرضِ الفطرة ويُسقى بالوعي وبالإرادة؟ أين ربح مجتمعنا منذ بداية الأزمة وأين خسر؟ كيف يقول الناس اليوم لأميركا أن هيهات منّا الذلّة؟ ما معنى البطولة في المعركة الاقتصادية الاجتماعية التي نعيشها ثانية بثانية؟ ما هي معايير النصر والهزيمة فيها؟
سيلٌ من الأسئلة التي يستحقّ كلّ منها التوقّف عنده والعبور من خلاله إلى قراءة موضوعية وصادقة حول ما يجري، حول ما نقوم به بإدراك مسبق لقيمته ودوره أو بناءً على خيارات نراها طبيعية وحتمية في سياق الضغط الخانق علينا.
للإجابة عنها قد لا يحتاج المرء إلى كلام كثير أو إلى تحليلات ونظريات وإسقاطات. يكفي أن ينظر حوله، أن يراقب بالعين المجرّدة الجنود المقاتلين حوله وأساليبهم في فنّ المواجهة، حين يرميك العدوّ بسلاح غير تقليديّ. قيل قديمًا أنّ “الحاجة أمّ الاختراع”، وسطّرت الشعوب اختراعات عظيمة في مجال حاجتها الحيوية إلى المواجهة ليس من أجل البقاء فقط، بل من أجل إلغاء الوجود العدواني من جذوره، ولعلّ تجربة الفلسطينيين واليمنيين في هذا المجال هي الأحدث والأكثر وضوحًا، ولكن إذا فكّكنا مشهد التجربة في لبنان اليوم، ولا سيّما في داخل بيئة المقاومة، بمواجهة الحرب الإقتصادية والاحتلال السياسي الأميركي، وتوقفنا قليلًا عند صمود الناس وصبرهم ويقينهم، لازددنا يقينًا بوحدة السّاحات، ولفهمنا أكثر ما الذي تعنيه عبارة الحرب الواحدة ذات الميادين والمستويات المتعدّدة.
كي لا يبخس أي جانب من الجوانب المطروحة في هذه المقدّمة، كنا في “الناشر” أمام خيارين: تناول الموضوع بكلّيته من ناحية توصيفية يتخلّلها بعض الأمثلة، أو تجزئة المواضيع التي نتوخى الإضاءة عليها تحت عنوان عريض واحد: كيف نقاتل؟
ولأن الهدف يتعدّى الحديث عن تجارب المقاتلين بذاتها ليبلغ تظهير هذه التجارب كجبهة متكاملة يقوم جميع أفرادها بأدوارهم بشكل طبيعي ومسؤول، رأينا أن مجرّد التوصيف لن يؤدي إلّا إلى عرض التجارب، وهو على أهمّيته، غير كاف لتحقيق الهدف الذي أشرنا إليه. وعليه، كانت هذه السلسلة، والتي نتمنّى أن تكون ترجمة لوجودنا كمنصّة إلكترونية ذات فكرة حرّة وموقف واضح.
السلسلة بعنوان “نحن نقاتل”، وسيتمّ نشر حلقاتها تِباعًا.