مهزلة الإعلام اللبناني.. وجه آخر من وجوه الفتنة

لا تكاد الحملات الإعلامية التي تشنها إحدى القنوات اللبنانية تخمد، حتى تندلع مجددًا في ميدان إعلامي آخر، وفي توقيت آخر، لتكمل بدورها هذه الحلقة الشرسة من الحرب الإعلامية القذرة التي بدأت منذ زمن ضد بيئة شعبية كبيرة، وبأوجه متقاربة جدًّا بين هذه القنوات، على رأسها زرع سياسة الحقد والكراهية ونشرها قدر الإمكان وعلى أوسع نطاق، والمستوى الرديء جدا من المهنية الاعلامية والأخلاقية.

الحملة الاعلامية الحقودة.. قديمة جديدة
إن تاريخ الحرب الإعلامية المشنّة على البيئة المؤيدة والمحتضنة للمقاومة ليس بحديثٍ أبدًا، ولكنه اليوم أكثر انتشارًا وفتكًا واستهدافًا من أي وقت مضى. والأمر مرتبط بعوامل عديدة، بعضها متعلق بالعدوانية التي تتضاعف لدى هؤلاء من جهة، والتي تترجم بالتالي في الأهداف والسياسات المعتمدة، فضلًا عن الأدوات المتاحة لهم -بشكل هائل- على اختلافها، إن كانت تقنية أو مادية أو لوجستية أو حتى تكنولوجية، بالإضافة إلى العوامل الأخرى المرتبطة بالبيئة بحد ذاتها، بارتداداتها وتحديها وصبرها وطاقتها المتجددة على الدفاع عن نفسها، وصدّ هذه الحملات ومواجهة أدواتها.

وبالعودة إلى تاريخها المشؤوم، المكتوب بحروف الفتن والحقد، فقد تعددت محطاتها ومعالمها، والتي بدأت تقريبًا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، ومحاولة إيجاد أي خيوط تدل على علاقة المقاومة بهذا الحدث، مرورًا بحادثة تفجير المرفأ في آب 2021، والتي حاول بعض الإعلام الممَوَّل سعوديًّا في لبنان، أن يحمّل المقاومة مسؤوليتها بأي شكل من الأشكال، وصولًا إلى ما نشهده اليوم من أقبح صور التشويه الإعلامي لمبادئ وقيم ورموز طائفة بأكملها، تُستهدف على مرأى ومسمع اللبنانيين أجمع وأجهزة القضاء اللبناني، وتتجلى على وجه الخصوص بالبرامج الإعلامية المبتذلة التي تبثها قنوات السعودية في لبنان، بحكم أن كرامتهم مرهونة بأموال المملكة وليس سواها.

من الواضح أن سياسة الشيطنة شهدت في الآونة الأخيرة تغييرًا في السياسات والإجراءات، دون تغيير الهدف طبعًا، وباتت تركز بشكل أساسي على استهداف البيئة الحاضنة، وهي العنصر الجوهري والأساسي للمقاومة، في محاولةٍ لتحريضها والضغط عليها بأي وسيلة ممكنة ومتاحة لتثور وتنتفض وبالتالي تتفرق وتتمزق وتصبح بيئة مشتتة غير قادرة على دعمها واحتضانها.

الحرب الإعلامية شرسة.. والمطلوب وعي تام وحذر
الشيء المؤكد، والذي لا نقاش فيه، أن هذه الحرب مدروسة إلى أبعد الحدود، بأهدافها وسياساتها وإجراءاتها وحتى أدواتها، ما يتطلب بالمقابل، وعيًا ومعرفة وإرادة لمواجهة هذه الحملات وإضعاف قدرتها على التأثير وتحقيق غاياتها.

الأمر يتطلب إذًا مواجهة، واتخاذ موقف حازم، والوقوف وبقوة في وجه المحرضين، ولكن لذلك أيضًا آلياته وتدابيره التي لست في موقع تحديدها، أو الحديث عنها، لأن لها أهلها المعنيين بهذا الشأن، وهم أكثر اطلاعًا وخبرة، لكن ما يمكننا فعلًا الحديث عنه والدعوة إليه والعمل على تنفيذه، هو إدارة ردة أفعالنا الخاصة، والتعامل مع المواقف بمنطق والقليل من الحنكة والكثير من الوعي.

إن العثرات التي نقع فيها عند تبني رأي ما أو موقف، قد تجعلنا في العديد من الأحيان، نخدم مصلحة هؤلاء التافهين، والمثل الأكثر واقعية على ذلك، هو ما نشهده على وسائل التواصل الاجتماعي، حين يعمد عدد من الناشطين المؤيدين والمدافعين عن البيئة المقاومة إلى إعادة نشر المقاطع والمنشورات المسيئة للبيئة ورموزها، وفي ذلك خدمة لا تقدر بثمن لهؤلاء الحثالة، لأننا بكل بساطة، نكون قد شاركنا بطريقة غير واعية بنشر ما أرادوا نشره على نطاقٍ أوسع.

إن المواقف التي تدافع وتوضح وتذكر وتتكلم بلغة المنطق وحتى أحيانًا كثيرة بلغة العاطفة، هي سلاح من أسلحة مواجهة هذه الحملات الشيطانية، سلاح يجب أن يغلف بالعقلانية ليحقق هدفه بدقّة ويوضح الحقائق التي يحاول الإعلام الفاشل التابع العابد لأصحاب المال والإجرام أن يشوهها.

نعيش إذًا في حالة حرب دائمة، حرب ناعمة وأخرى قاسية، بمضامين وأهداف واحدة، وسياسات مختلفة. لقد تمكنّا من أن نكون يومًا وعلى الدوام جزءً أساسيًّا وفاعلًا وجوهريًّا في الحرب العسكرية، التي تكللت بالنصر، وهذا الأمر مطلوب اليوم أيضًا وبشدّة، لنثبت على الدوام اننا حاضرون بكل ميدان وساح، وقادرون على مواجهة مخططات الشيطنة التي رسمت لنا ولا زالت، في محاولة لإضعافنا واستعبادنا، ولكن أظن أن هؤلاء باتوا يدركون أيضًا أننا أمة لا ترضخ، لا للمال ولا للسلطة ولا لأي شيء، لأننا أمة لا تبيع كراماتها وعزتها ورموزها ولو حاربها الكون بأسره.

اساسيلبنان