محمد الوزيري* – خاص الناشر |
إن منازع الإنسان الذاتية السيئة كثيرة، أن يسرق، أن يزني، أن يقتل، أن يخون… ولكن أسوأ منزع فيه أن يكيد لأخيه الإنسان، إذ الإنسانية هي أحط درجات التعريف البشري، لارتباط كل أنواع الشر والخسة والدناءة وقبح الأفعال بها. لا عجب! إن الخليقة منذ آدم وهي تتآمر ضد نفسها، ضد الفضيلة، ضد الروح، وفي كل زمان كان يبعث الله تعالى فيه نبيًّا، يكون الإنسان حينها قد هوى من درجات المعراج إلى دركات البهيمية بأفعاله القبيحة.
حصل ذلك التنازع إحقاقا لليقين أن الدم سيكون هو سيد الموقف، بين من يحيي الفضيلة، ومن يميت الحياة. وهبت زوابع الحروب والاقتتال وأعاصير الفوضى والعبث بعد كل نزغٍ يعجب من عجبه إبليس!.
لا نمتلك حق الزعم بأننا الخير دون غيرنا الذي يمثل الشر ويسعر الجحيم بتعبير سارتر. ولكننا نمتلك أرشيفا يستطيع أن يسد مجرى قناة السويس من ضخامته، يشهد بأننا أكثر الأمم تعرضا للمؤامرات على قِصر زمان تشييد صرحنا العظيم. فليست أربعمائة سنة بعد الألف بالطويلة إذا قُسّمت عليها أرتال الخطط التي سعى الأعداء من خلالها إلى تدميرنا.
عرب ومسملون دون عرب، فلا فرق البتة في العداء الذي كنّ لنا. لأن قوة العرب في الإسلام، وقوة الإسلام والمسلمين في قوة العروبة.. حتى المؤرخين الغربيين عندما يكتبون العرب فإنهم يرمون إلى المسلمين، و عندما يكتبون المسلمين فإنهم يقصدون العرب حتى لو كانوا فرسا أو آسيويين أو أفريقيين…
من اغتيل علماؤه، من حوصر اقتصاده، من دُمّرت بلاده، من قُسّمت أراضيه، من اغتصبت حقوقه إلا العربي أو المسلم أكثر من غيره! إنهم يغرون الشعوب بدكتاتورية الحكام التي صنع أغلبها في أقبيتهم، ثم يجيشون إعلامهم ليقنعنا بأن الدول (المتقدمة) التي صنعت الصواريخ القادرة على غزو المريخ لا تستطيع أن تطعم الجوعى الذين دمرتهم صواريخهم في مقديشو! يا للروعة!
هل كانت إيران قبل ثورة الإمام تعاني أيًّا مما تعانيه اليوم؟ وهل كانت مزدهرة كما السويد اليوم؟ نعم إن المعاناة لا تُفهم إلا حسب وجدان الإنسان نفسه. إن المقاوم في زنزانته لا يحس بغربة السجن إذا كان متشبثًا بقضيته التي كُبّل من أجلها. بل يفتخر ويناجي ربه شكرًا على القوة التي جعلته لا ينحني. أما الذليل الذي يتمرغ في نعيم سيده، فليس بمنعم ما دامت ألوان ملابس زوجته الداخلية معلومة لدى سيده وأصحاب سيده وخُدام سيده وجيران سيده وخدام جيران سيده.
لم تكن إيران في زمان الشاه بهلوي إلا ثمرة مكشوفة للقاصي والداني، فتحولت بدماء شهدائها وتضحيات شبابها ومفكريها الثوريين إلى دولة الأسياد بعد أن كانت عصا أمريكا التي تهش بها على غنم الخليج. لقد طورت الطب والنانو والفيزياء والكيمياء والطاقة النووية والسياسة والاقتصاد.
لقد كانت اليد التي تبني هي نفسها التي تصد ضربات الحرب الظالمة المفروضة عليها لثمانية أعوام، لذلك احتار العدو وتبعثرت أوراقه، لأنه لم يفهم السر الكامن وراء هذا الشعب الذي خرج من غِلّ الاستبداد إلى نفق الحرب، ومن نفق الحرب إلى قبضة الحصار، ومن قبضة الحصار إلى فسيح الثورة والتصنيع وتخصيب اليورانيوم. عجبًا، كيف يحدث ذلك بعد خمسين عامًا من اشتداد الكماشة؟!
هنا فكر العدو وقدر أن هدم العروش التي تبنيها الشعوب لا يمكن أن يقوم به صاروخ ولا دبابة ولا حصار، وإنما المؤامرات الدنيئة طويلة الأمد، حرب المعلومة والتدمير النظيف من الداخل، عبر إيجاد العملاء أو تصنيعهم. إنه الإنسان دائمًا، فما أضعف الإنسان وما أحقره. إنك تستطيع أن تروض فهدًا على العيش مع الإنسان دون أن يفترسه، ولكن يصعب أن تربي إنسانًا على الفضيلة وتضمن عدم غدره بأخيه الإنسان ولو من فصيلته ودمه ودينه وبيته. هذا موضوع آخر.
*كاتب مغربي