المدرس السائق!

ويفا البدوي – خاص الناشر |

رغم الظروف القاسية التي يواجهها الشعب السوري إلا أنه أثبت قدرته على التحمل. كثيرون يعملون بأكثر من مهنة بهدف تأمين لقمة العيش وإعانة عوائلهم.

خلال زيارتي إلى سورية صادفت رجلًا يعمل مدرس لغة عربية، وهي مهنته الرئيسية منذ عقود. صباحًا بين طلابه، وبعد الظهر يداوم على سيارة أجرة كسائق. يعمل منذ الساعة الثالثة وحتى منتصف الليل. ينهي فترة عمله الثانية، البعيدة عن طبيعة تخصصه كمدرس للغة العربية، ويعود إلى منزله. لا ينتهي يومه هنا، فمباشرة بعد وصوله إلى المنزل يشرع في تحضير الدروس لليوم التالي، ويعمل على تصحيح اوراق الاختبارات، ويعدّ ملخصاً لمادته لطباعتها وتوزيعها على طلابه في الثانوية قبيل الامتحانات.

لفتني أن هذا الشخص، والذي تعرفت عليه لحظة ركوبي معه، يبلغ من العمر ٥٢ عاماً، ويعاني من أمراض مزمنة (ضغط وسكري) ومن مشاكل في النظر.

المدرس السائق، أشعرني بخجل في ذاتي لم أعهده من قبل، لكن فضولي دفعني لسؤاله عن قدرته على تحمل كل هذا التعب والضغط اليومي، فأجابني بابتسامة فيها شيء من السكينة: “ربك كريم، ما حدا بموت من الشغل، صحتي حديد، وما رح وقف شغل إلا لآخر لحظة، عندي مسؤولية، إيجار منزل وإيجار سيارة، وشب وصبيتين بالجامعات، بدي ادي واجبي تجاهم، وعلمهم احسن علم. ابني سنة خامسة طب بشري، وبنتي طالبة حقوق سنة ثالثة، وبنتي الثانية طالبة صيدلة سنة اولى”.

استمعت لكلماته وقلبي يُعتصر ألمًا. أنهى كلامه، وأنا سارحة في مشهدية ما يقول. شعرت بأني استمع له منذ وقت طويل، علمًا انه اختصر المشهد بأقل من دقيقة.

نظرت إليه وأنا أتفحص جلوسه خلف المقود لفترة طويلة، أتفحص ملامحه، وجهه، أدقق في حركاته، نظراته، أستشعر ألمه، أتفحص حاله، وهو يشبه كثيرين، وانتابتني حالة صمت ظاهرية، لكن ذهني لا يتوقف لبرهة عن التفكير.

أمام هذا المشهد أدركت أن الشعب السوري عصي في وجه الظلم وحرب التجويع، شامخ وعنيد تجاه مسؤوليته ووطنه وكل واجب.

ليعلم من يحاصرنا، من الولايات المتحدة الأميركية إلى أوروبا، وإخوة عرب، أن سورية ستظل شامخة، صامدة ولن تنكسر، وأن شعبها لن يسلّم رأسه لمن أراد ببلده سوءًا.

اساسيسوريا