جرائم الحضارة الغربية بحقّ الأسرة

منذ زمنٍ طویل، والحضارة الغربیة تُثبت عجزها عن إسعاد الإنسان. والیوم أکثر من أي وقتٍ مضی، یحتاج المجتمع البشري إلی حضارةٍ بدیلةٍ تتناسب مع فطرة الإنسان وتلبّي إنسانيّته وتنسجم مع ناموس الطبيعة. إنّ أحد أهمّ المؤشرات التي تدلّ على أفول الحضارة الغربیة وسيرها نحو الزوال والانهيار، هو تلاشي الأسرة في المجتمعات الغربیة، هذه الأسرة التي هي الخلیّة الأساسیة في تشکیل المجتمع، وبناء المجتمع هو الشرط الضروري لتأسیس الحضارة، كما أنّ فساد الأسرة يؤدّي إلی إضعاف المجتمع وتهاوي الحضارة.

في نقد الحضارة الغربیة، يمكننا النظر من زوایا مختلفة وإقامةُ براهینَ متعدّدةٍ والاستدلالُ بلغاتٍ شتّی، لکن، ربّما من أبسط الأدلّة -وأيضًا من أهمّ الأدلّة- علی بطلان الحضارة الغربیة وحرکتها باتجاه الزوال، هو مخالفتها لناموس الطبیعة وقانون الخلقة والسنن التکوینية السائدة علی الكون، فضلًا عن القوانين والسنن التشریعیة الإلهیة. وعليه، فإنّ أسباب انهيار هذه الحضارة هي أسبابٌ داخلیةٌ قبل أن تکون خارجیة.

إنّ الزواج وتأسیس الأسرة، هو ناموس الطبیعة وسنّة التکوین، والحضارة الغربية ارتكبت أسوأ الجرائم في حقّ الأسرة، وهي بهذا المنهج الذي تتّبعه، إنّما تُسرّع في عملیة زوالها وانحدارها نحو السقوط التامّ والأخير. وسأشیر إلی عشرِ جرائمَ وردت في خطابات سماحة الإمام الخامنئي (دام ظلّه)، وهي من أخطر الجرائم التي ارتکبتها هذه الحضارة المنحطّة بحقّ الأسرة المظلومة ومن خلالها، بحقّ الإنسان والبشریة، لأنّه لا یمکن أن یتذوّق الإنسانُ الطعمَ الواقعي للحیاة في هذه الدنيا دون أن یتمتّع بنعمة السکون وراحة البال في الأسرة.

۱. ترجيل المرأة باسم المساواة
قلنا إنّ الأسرة خلیّة المجتمع الأساسیة، والمرأة ترأسها وهي الرکن الأصلي في تشكیلها. الحضارة الغربیة من خلال دعایاتها حول الدفاع عن حقوق المرأة وباسم المساواة قامت بانتزاع الأنوثة من المرأة وجعلها رجلًا لا تقدر علی أداء دور الزوجية والأمومة، وهكذا فقدت الأسرةُ عمودَها الفقريَّ الأساسي.

۲. تشييء المرأة وجعلها سِلعة
إنّ النظرة المادية الجسدیة للمرأة وتحویلها لسِلعة وبِضاعة جنسية یمکن بیعها وشراؤها في الأسواق الجنسيّة بأسعارٍ رخیصة، أدّت إلی رَواج وارتفاع نسبة العلاقات غیر الشرعية، وكَساد وانخفاض معدّل الزواج وبالتالي تقليص مؤشّر تشكیل الأسرة في المجتمعات الغربية وتلك التي تسيطر عليها الحضارة الغربية.

۳. ترويج المثلية وتشريعها
التدرّج السلبي والتقهقري من اعتبار المثلیة ذنبًا يَلزَمه العقاب أو مرضًا یحتاج للعِلاج إلی تطبیعها ثمّ تشریعها بل والترويج لها في المجتمع والتحريض علی الخروج من القاعدة الإنسانية الطبیعية في الزواج وتأسیس الأسرة، سبّب إفراغَ كلمة الأسرة من معناها الحقيقي في زواج المثليين؛ وهذا من آخر إنجازات الحضارة الغربیة!

4 – الفردانية الشخصية
الحضارة الغربیة المادية قائمة علی أساس الأنانیة والفردانية وإرضاء الشهوات والمیول الشخصية. ومن الطبیعي جدًّا أن لا تُعتَبَرَ الأسرةُ أصیلةً. لأنّ الأصل في هذه الحضارة هو «الأنا» ومصلحتي الفردية وملذّاتي الشخصية ولیس «هو» أو «هي» أو حتی «نحن». ولا قيمة بَتاتًا لبذل الجهد والتعب والتضحیة والإیثار وتحمّل الصعوبات في سبیل تشکیل الأسرة والحفاظ علیها.

5 – الرأسمالية الذكورية
الرأسمالية التي تُعدُّ النظريةُ الاقتصادية للحضارة الغربية، هي نظرية ذكورية بامتياز ومبنية علی التمييز الجنسي والإجحاف الظالم بحقّ المرأة. لأنّ جذور هذه النظریة هي تفوّق رأس المال علی الإنسانية، فکلّ شخص يتمكّن من توفير رأس مال أکبر تكون قيمته أعلى؛ وبما أنّ الرجل أکثر قوّة من المرأة وبإمکانه أن یوفّر رأس مال أكبر من المرأة، يغدو في المرتبة الأولى، وتأتي المرأة من بعده في المرتبة الثانية. هذا التمييز الجنسي في مبدأ الفکر الاقتصادي الغربي ینعکس سلبًا علی کثیر من العلاقات الإنسانیة في المجتمع ومنها العلاقة الزوجیة والروابط الأسریة.

6 – محورية المال دون المحبّة
المحبّة هي الأساس في استحکام الأسرة وتمتین بنائها. وعندما یصبح المال محور العلاقات الزوجية کما هو مشهودٌ في الثقافة الغربية العامة، لا یبقی من الحبّ إلا اسمُه، أو مناسبةٌ سنویةٌ ترمي إلى التفاخر السخیف والتظاهر المملّ بالحبّ والعشق الذي لا وجود له في الأساس! وهل تحيا الأسرة بلا حبّ؟!

7 -محورية القانون من دون الأخلاق
صحیح أنّ الزواج هو عقدٌ من العقود، ویحتاج للإیجاب والقبول کالبیع والإيجار وبقیة التجارات والمعاملات العقْدية، إلا أنّ ضَمان بقائه هو الأخلاق الحسنة والفضائل والقيم والمکارم الأخلاقية ولیس القانون کما سائر العقود، لأنّه تبادلٌ للقلوب ولیس معاملة بالأموال. لکن الحضارة اللا أخلاقية الغربیة لیس لدیها وصفةٌ إلا الإجبارُ القانوني الجافّ لحلّ المشاکل الزوجية وإبقاء الزوجین إلی جانب بعضهما بعضًا واستمرار العیش المشترك، وهو لیس حلًّا مُجْدیًا على أرض الواقع.

8 – فصل العلم عن الدين والروحانيّة
قامت الحضارة الغربیة علی أساس محاربة الدين والروحانيّة. وعليه، كلّما نمت هذه الحضارة المادية اللا روحانيّة، يصبح انحرافُها أکثر وخطرها أکبر، ومن ثمار هذه الظاهرة المشؤومة علی الصعید المجتمعي هو التفكك الأسري الناجم عن ابتعاد الأسرة عن القيم الروحانيّة والتعاليم الدينية.

9 – الليبرالية الجنسية والفساد
اللیبرالية هي النظرية الفکریة السیاسية الأساسیة للحضارة الغربية والتي تُعتَبَرُ الفردانيةَ والحریةَ الفرديةَ المطلقةَ هدفًا سامیًا لها. تطبیق هذه النظریة المنحرفة في ساحة الغرائز الجنسیة يَخلُقُ مشهدَ حرّيةِ الفَساد والمجون والدعارة والإباحية التي تَهُزُّ أعمدةَ بَناء الأسرة.

10 – اختلاق البدائل المزيّفة لرفع الحاجات العاطفية
حين واجهت الحضارة الغربیة الحاجاتِ العاطفيةَ الإنسانیةَ التي لا یمکنُ مَلؤها بشکل حقیقي إلا عبر الأسرة، بدأت باختلاق بدائلَ مزیّفةٍ لجعل الإنسان يَغفُلُ عن تلك الحاجات الواقعية، ومنها ثقافة اقتناء وتربية الحيوانات الأليفة وحتی غير الأليفة في المنزل، والتي يُروَّج لها بشکلٍ غریب، وتُعَدُّ من ضمن هذه البدائل المزیّفة لمَلءِ الفَراغ العاطفيِ الناتجِ عن عدم العَیش مع الأسرة وعدم وجود الأولاد.

هذه کانت لائحةً مختصرةً من الجرائم التي ترتکبها الحضارة الغربية بحقّ الأسرة والإنسان، والعجیب أنها ترتکبُها کلَّها وبکلّ وقاحةٍ باسم الدفاع عن الحرّية وحقوق الإنسان! لذلك فأنا أعتقد أنّ أيَّ خطةٍ لإنشاء مجتمعٍ متمحورٍ حول الأسرة، لن تتکلّل بالنجاح ما لم تتضمّن استراتیجیةً هجوميةً واسعةً تسعى إلى فضح الحضارة الغربية المنحطّة وتبيين الظلم الذي یمارسه الغرب ضدّ المرأة والأسرة. یجب علی المفکّرین وعلینا جمیعًا أن نضع المجاملات غير المُجدية جانبًا وأن لا نتلاعب بعقولنا وعقول شعوبنا، وأن نبیّن الحقائق للناس کما هي، ونحذّر مجتمعاتنا من خطر هذه الثقافة والحضارة اللا إنسانية واللا أخلاقية التي تهدّد مستقبل البشریة جمعاء.

اساسي