واجه مراسل إسرائيلي في قطر وعدد من زملائه أحداث تظاهرية في الأيام الماضية: إن الموقف الصارخ لمشجعي كرة القدم من دول عربية لممثلي الإعلام الإسرائيلي فتح أعينهم على الواقع الشرق أوسطي فيما يتعلق بعلاقات إسرائيل مع المنطقة. لا يحبوننا هناك في قطر ولا حتى في جميع أنحاء الشرق الأوسط كما يبدو. هذه هي النتيجة البائسة التي استنتجها هؤلاء الصحفيين خلال الاحتكاك غير المرحب به مع مشجعين سعوديين، قطريين، إيرانيين وغيرهم.
إن ردود الفعل الحساسة، كذلك الاستنتاجات التي نتجت عنها، هي بلا شك نتيجة لفجوة نفسية وتوعوية. فجوة بين منظومة توقعات سابقة وبين الواقع الفعلي. فجوة بين الافتراض بأن هذا حدث رياضي دولي يلغي كل أنواع التناقضات ويخلق قواسم مشتركة أكبر من الأبعاد الوطنية، الجنسانية وغيرها من الأبعاد وبين انعكاس الواقع الذي رغم أننا جميعنا مشجعي كرة قدم وبشر لكن ليس دائمًا يمكن تصحيح التشوه.
هناك شيء بريء جدًا في منظومة التوقعات هذه والتي تحاول محو البنى التحتية العميقة للظروف الاجتماعية في ظل حدث أو كرة قدم. تمامًا مثل التوقع المألوف بأن الموسيقى سوف تربط بين الأفراد أو أن الفن سيخلق قواسم مشتركة بحيث يساعدوا في إعادة تعريف منظومة العلاقات من جديد، حتى أحيانًا تلك التي تعاني من اعوجاج مستمر. هذه ليس براءة فقط، بل أيضًا إيمان عميق بالروح البشرية وبفكرة التصحيح التي تنبع من داخله.
إن قطر من دول الخليج التي لا يوجد علاقات سلام بينها وبين إسرائيل. منذ سنوات يصل الفلسطينيون إليها كعمال أجانب. لكن يوجد هناك مسألة أخرى: القدرة على فهم التعقيد الذي تواجهه إسرائيل في الشرق الأوسط، على الرغم من كل التناقضات الداخلية لها. خلال القرن الماضي حققت إسرائيل فعليًا تقدمات مهمة في المنطقة على صورة اتفاقات، لكن هذه الاتفاقات لم تستند على أساس فكرة “كلاسيكية” لسلام من سنوات التسعينات.
إن اتفاقات ابراهيم استندت على أساس نموذج مختلف: هادفة وواقعية، والتي هي محددة من خلال مصالح وقوة أكثر منها من خلال تخيلات اخلاقية. هذه خطوة سياسية لم تركز فقط على تعزيز ما هو موجود والحاضر، بل أيضًا صنعت فارق بين الأمور الاقتصادية، نوعية الحياة والرفاهية وبين مسائل الهوية والايديولوجية. لم يكن هذا من باب انكار أهمية مسائل الهوية، بل من ناحية اعطاء أولوية للمسائل الاقتصادية.
هذه هي الخطوة التي سمحت لدول الخليج ولإسرائيل بالتوصل لتسوية مع إسرائيل رغم حضور المشكلة الفلسطينية. من هذه الناحية، لم يكن هناك توقعات بأن النموذج النفعي هذا سيجلب معه الخلاص التام، الذي تمت صياغته في إطار أفكار “السلام” الكلاسيكية في المدراش الأوروبي الغربي. والأكثر من ذلك، أنه تم نسجه أمام الجهات الأقل إيديولوجية في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة.
معنى كل هذه الأمور واضح جدًا: إن اتفاقيات ابراهيم لم تأخذ الشرق الأوسط نحو واقع “نهاية التاريخ” وذلك لأنه لم يُخلق أي تزامن بين عالم المصالح وبين عالم الأفكار. بين الهدف وبين الهوية. وبين القيادات وبين الشعوب. من هذه الناحية، تعكس الأحداث في هامش المونديال في قطر وجود سقف زجاجي فيما يتعلق بمكانة إسرائيل الاقليمية ومضمون اتفاقيات ابراهيم.
من ناحية أخرى، تُثبت نفس الأحداث إلى أي مدى يمكن خلق واقع معقد ومتعدد الأبعاد في وقت واحد والذي يجمع بين العمليات الإيجابية للتسوية والمصالح المتبادلة والتعاون الإقليمي، وبين وجود صراعات، حساسيات وتوترات تحت الأرض والتي هي موجودة لتبقى لمزيد من الوقت.
كل هذه المسألة تتجسد في الدور الذي تلعبه قطر في المنطقة: من ناحية، دولة ذات بعد مفاهيمي وايديولوجي واضح، ليس لديهم علاقات رسمية مع إسرائيل، حتى أنها تدعم حماس وجهات أخرى ترى أن إسرائيل عدوًا. من ناحية أخرى، هي تلعب دورًا (في غزة) في استقرار النظام السياسي الأمني وعلى أرضها الآن يركض مئات الإسرائيليين المتحمسين وربما أكثر بين ملاعب كرة القدم التي تم جلبها لهناك من الطائرات التي حلقت من المطار الذي تم تسميته على اسم أكبر الصهاينة في إسرائيل.
هذا هو التعقيد وهذا هو تعدد الأبعاد الذي يتسم به الشرق الأوسط الجديد، والذي يحتوي أيضًا على الكثير من القديم. يجب أن يتم تفهم هذا الأمر، أن نكون متيقظين له وبالأخص بحث الواقع كما هو تمامًا.
د. دورون ماتسا – مكور ريشون
ترجمة: فاتن أيوب – أطلس للدراسات