«ميدل إيست آي»: كيف يرسم شباب اليمين مستقبل السياسة في “إسرائيل”؟

نشرت الصحافية ليلي جاليلي مقالًا على موقع «ميدل إيست آي» تقول فيه إنَّ هنالك مجموعتين على وشك تقرير نتيجة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، المقرر عقدها الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، وهم الناطقون بالروسية الذين سينتخبون لأول مرة.

وخلال الثلاث سنوات الماضية، هذه هي الجولة الخامسة من جولات صناديق الاقتراع، ومن ثم فإنَّ غالبية الناخبين لأول مرة سيكونون في عمر 18 عامًا. وعلى المدى البعيد، سيشكلون مستقبل إسرائيل، ومن ثم سيؤثرون في مستقبل الشرق الأوسط أيضًا.

الناخبون الإسرائيليون في أرقام
توضح جاليلي أن الأرقام مرتفعة بشكل مدهش، وفقًا للجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، انضم 209 آلاف مصوت جديد بين الجولة الرابعة في مارس (آذار) 2021 والجولة القادمة. ونحو 165 ألف هم من الناخبين اليهود، ومن بينهم المجندون حديثًا وأقرانهم المتدينون الرافضون للخدمة العسكرية.

ومع أنَّ المشتركات في حياتهم اليومية قليلة، فإنَّ الكثير ما يجمعهم في السياسة. فالفصيلين يميلان إلى اليمين، أو اليمين المتطرف، أو ما يعرف الآن باسم «كتلة بيبي» (بنيامين نتنياهو).

ويتسم المصوتون المتدينون بالقوة والتفاني، فهم يتبعون أوامر حاخاماتهم، ويتبع الحاخامات أوامر نتنياهو. كما يثق بهم مسؤولو الحملة الانتخابية لحزب الليكود، بكونهم متطوعين مخلصين، يسعدهم الابتعاد عن الكتب المقدسة، لجذب المتدينين إلى صناديق الاقتراع.

لكن حتى هذه العادة الانتخابية الراسخة تشهد منعطفًا مع وجود إيتمار بن غفير، النائب اليميني المتطرف من حزب الصهيونية الدينية، إذ يبهر أعدادًا كبيرة جدًّا من هؤلاء الشباب، الذين يرونه قدوة من نواحٍ عديدة.

وحتى إذا خالف الشباب تعليمات الحاخامات وصوتوا لغفير، فإن تصويتهم سيصب لصالح كتلة نتنياهو. ففي النهاية، نتنياهو هو من سمح لبن غفير دخول البرلمان، وتعهد بجعله عضوًا مؤثرًا في الحكومة المقبلة، إذا تمكن من تشكيلها، ويحلم بن غفير بمنصب وزير الأمن العام وقد يحصل عليه.

تؤكد جاليلي أن أنماط التصويت لدى غير المتدينين هي الأكثر تنوعًا. وأجرت شركة الأبحاث الإسرائيلية «ميدجام» في يوليو (تموز) الماضي بحثًا حول أنماط الناخبين بين أعمار 18 و25 عامًا؛ بهدف معرفة كيف ستبدو السياسة الإسرائيلية في حال تصويت هذه الفئة فقط. وفي هذه الحالة، ستحصل كتلة نتنياهو التي تضم أحزاب اليمين المتطرف والمتشددين، على 71 مقعدًا في البرلمان.

وقد عرف 46% من المشاركين أنفسهم بأنهم يتبعون لليمين، و16% لليمين الوسط، و10% فقط يتبعون اليسار. وتجاوز حزب ميرتس (الحزب الصهيوني الوحيد الذي يعرِّف نفسه على أنه يساري) العتبة الانتخابية. وتذكر جاليلي أنَّ التنبؤ عمل محفوف بالمخاطر في الشرق الأوسط، لكن هذا يسمح بإلقاء نظرة خاطفة على المستقبل بعد انتخابات الأول من نوفمبر القادمة.

وحتى قبل حدوث هذا السيناريو، هنالك ظاهرة ثانوية غير مسبوقة تجسد روح السياسة المتغيرة في إسرائيل؛ فهناك نحو 100 ألف ناخب، معظمهم من الشباب، ما زالوا يعرِّفون أنفسهم على أنهم أصوات عائمة، بمعنى أنهم لم يتخذوا قرارًا بشأن ما إذا كانوا سيصوتون لصالح بيني جانتس، قائد الجيش السابق الذي يقود حزب الوحدة الوطنية، أو بن غفير، الرجل عنصري لدرجة أن الجيش رفض تجنيده.

تغير في توجهات الأجيال الحديثة
تنتقل جاليلي إلى المجموعة الثانية، وهم الشباب الناطق بالروسية، وتذكر أنَّه لثلاثة عقود، كان المهاجرون من الاتحاد السوفيتي يُعدون صانعي الملوك في الانتخابات الإسرائيلية. والآن ولأول مرة منذ بداية موجة الهجرة الضخمة، يُنظر الآن إلى التصويت العربي على أنه العامل الحاسم في الانتخابات المقبلة.

ومع ذلك، فإن المقاعد الخمسة عشرة المحتملة التي يمكن أن يوفرها تصويت المجتمع الناطق بالروسية يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا، وأكثر من يدرك ذلك نتنياهو وأفيجدور ليبرمان، وزير المالية ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي لا يزال يُنظر إليه على أنه حزب روسي.

ومع ذلك، يبدو أنَّ ما يفتقده كلاهما التغيير اللازم لمواكبة تحول الأجيال. فعندما نقارن آراء 720 ألف ناخب ولدوا في الاتحاد السوفيتي مقابل 310 آلاف طفل ولدوا في إسرائيل يحق لهم التصويت الآن. وهنالك فروقات بين الأجيال، فالشباب يصوتون بشكلٍ مختلف عن جيل آبائهم، وتحفز المصالح الأقل طائفية تصويتهم، وتترجم المصلحة الوطنية لديهم بدعم السياسات اليمينية الأكثر راديكالية.

ويقدم استطلاع حديث يُعرض لأول مرة أُجري حصريًّا لـ«One Million Lobby» وهي مجموعة مناصرة للإسرائيليين الناطقين باللغة الروسية، نظرة أخرى على الانتخابات المقبلة وتبعاتها. ويذكر الاستطلاع أنَّه لا يزال حزب الليكود وإسرائيل بيتنا يتقدمان بنحو خمسة مقاعد لكل منهما. ويأتي حزب «هناك مستقبل» الذي يتزعمه رئيس الوزراء يائير لابيد بأقل من أربعة مقاعد، أما حزبا العمل وميرتس يختفيان تحت العتبة الانتخابية في كلا الجيلين.

تكشف جاليلي أن حزب ليبرمان يسيطر على 30% من الأصوات الروسية من جيل الآباء، ولكن 13% فقط من أولئك الذين ولدوا في إسرائيل. وتزداد شعبية حزب الصهيونية الدينية، إذ لديه 5% من دعم جيل الآباء مقابل بدعم 13% من الشباب.

وفي الواقع، هذه أكثر النتائج إثارة للدهشة في الاستطلاع. فلا يعد ثلث المهاجرين السوفيت السابقين وأطفالهم يهودًا وفقًا للقانون الحاخامي، وهو وضع يمثل مصدرًا رئيسيًّا لغضب جيل الشباب. ومع ذلك، يختار الكثير منهم إخضاع مصالحهم الشخصية والمجتمعية لما يعدونه مصلحة وطنية، والتي تجسدها سياسات الصهيونية الدينية للعديد من الشباب.

أوكرانيا غائبة
ربما لن يؤثر غزو روسيا لأوكرانيا بوصفه إحدى القضايا الحاسمة على الخطاب الانتخابي بين الجيلين الناطقين بالروسية. فحتى وقت قريب، كان المجتمع الناطق بالروسية يحكم على السياسيين الإسرائيليين من خلال موقفهم من هذه القضية، بدا الأمر وكأنه عنصر حاسم بالنسبة للمجتمع، الذي لم تكن الحرب بالنسبة له قضية سياسية بل مصدر ألم شخصي.

لكن خلال الأسابيع الماضية، أصبح الملف الأوكراني أكثر حضورًا، وتشير قلة من الناس إلى تجنب ليبرمان التحدث عن الصراع. ويبدو أنَّ الناخبين الناطقين بالروسية الذين انضموا إلى حزب الليكود، لا يولون اهتمامًا كبيرًا لحقيقة أنَّ نتنياهو ظهر سابقًا وكأنَّه شريك لفلاديمير بوتين، في مقابلة حديثة عقدتها قناة «إم إس إن بي سي».

بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون مهتمين بالحرب الأوكرانية، سارع نتنياهو إلى ضبط موقفه. مع تنظيم مظاهرة صغيرة مؤيدة لأوكرانيا في القدس، وقال نتنياهو لصحيفة «يو إس إيه توداي» إنه يعتقد أنه إذا انتُخِب، فسيُطلب منه الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وسينظر في إمداد أوكرانيا بالسلاح.

تختم جاليلي بالقول إنَّه كانت محاولة ساخرة من الساسة في اللحظة الأخيرة التواصل مع الجالية الكبيرة من الإسرائيليين الأوكرانيين، وربما خفت صوت تلك الحرب بسبب تجدد ضجيج «العنف» في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنَّ حملة الخوف التي يديرها نتنياهو بنفسه تخدم دائمًا سياسة اليمين في إسرائيل.

عبد الرحمن النجار – ساسة بوست

اساسياسرائيل